وزير الأوقاف: لا يمكن أن تجلس وتستغفر ولا تعمل وتظن أن السماء ستمطر عليك ذهبًا
ألقى د.محمد مختار جمعة، وزير الأوقاف، خطبة الجمعة اليوم بمسجد «السلطان حسن» بمحافظة القاهرة، بحضور الدكتور خالد صلاح الدين، مدير مديرية أوقاف القاهرة، والدكتور محمود خليل، وكيل مديرية أوقاف القاهرة، وعدد كبير من رواد المسجد.
أكد وزير الأوقاف، خلال الخطبة، أن الاستغفار باب عظيم من أبواب الفضل، وهو درجة من درجات الإيمان بالله (عز وجل)، فمن يلجأ إلى الله تائبًا مستغفرًا فإنما يعلم أن له ربًا يأخذ بالذنب ويعفو عن الذنب، ويعلم أن هناك يومًا يقف الخلق فيه بين يدي الله (عز وجل): «وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ»، فالاستغفار يندرج على سلم الإيمان بالله واليوم الآخر.
وشدد على أن الاستغفار باب من أبواب التوبة، والتوبة التامة تكون بالإقلاع عن الذنب والعزم على عدم العودة إليه ورد المظالم والحقوق إلى أصحابها، يقولون: التوبة التامة هي التي تقوم على ترك السيئات وفعل الحسنات، حيث يقول سبحانه: «وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ».
ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): «اتَّقِ اللهَ حيثُما كنتَ، وأتبِعِ السَّيِّئةَ الحسَنةَ تَمْحُهَا، وخالِقِ النَّاسَ بخُلُقٍ حَسنٍ»، أما التوبة النصوح فهي التي تصل بالقلب إلى بغض المعصية، ويقولون: لمن ترك الذنوب والمعاصي والسيئات خشية العقاب صاحب توبة، ولمن تركها بغية الأجر والثواب صاحب إنابة، ولمن تركها حياء من الله (عز وجل) واستجابة لأمره سبحانه وتعالى صاحب أوبة، يقول الحق سبحانه: «فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا»، ويقول في حق سيدنا أيوب (عليه السلام): «نِّعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ». وقال وزير الأوقاف: ليس شرطًا أن يكون الاستغفار من ذنب، فأنت إذا صليت وشعرت أنك لم تؤدِّ الصلاة كما ينبغي، قلت استغفر الله، فقد يكون الاستغفار عن نقص الكمال، فأنت تستغفر الله لأنك تستشعر أنك ما عبدت الله حق عبادته، فأنت تستغفر عن تقصيرك في جنب الله، وفي هذا يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): «واللَّهِ إنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وأَتُوبُ إلَيْهِ في اليَومِ أكْثَرَ مِن سَبْعِينَ مَرَّةً».
وأضاف: إذا لزم العبد الاستغفار لحقته بشرى نبينا (صلى الله عليه وسلم)، حيث يقول: «مَنْ لَزِمَ الِاسْتِغْفَارَ جَعَلَ اللَّهُ لَهُ مِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجًا، وَمِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجًا، وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ»، ويقول الحق سبحانه: «فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا»، ويقول سبحانه: «وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُم مَّتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ»، ويقول سبحانه: «لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ».
وأشار إلى أن الاستغفار المنشود الحقيقي هو الذي يكون باللسان والقلب والجوارح في آن واحد، فمن كان يؤذي الناس بيده أو بلسانه فلا يكفي أن يقول (أستغفر الله العظيم) وهو لا يزال يؤذي الناس، بل يستسمحهم فيما كان منه من أذى في حقهم، والإنسان الذي لا يواظب على الصلاة في أوقاتها فلا يكفي أن يقول (أستغفر الله) وهو لا يزال مقصرًا في الصلاة، وكذا الذي يقول (أستغفر الله) وهو لا يخرج زكاة ماله، فاستغفاره الحقيقي يكون بإخراج زكاة المال، والذي يأكل الحرام غشًا أو استغلالًا أو حرامًا لا يكفي أن يقول (أستغفر الله) وهو لا يزال يغش ويستغل ويحتكر، فالاستغفار الحقيقي إقلاع عن الذنب، وطلب المغفرة لما مضى، والندم على ما كان، وعزم على عدم العود، ورد المظالم إلى أصحابها.
وتابع: أنه لا يمكن أن نغفل عن الأخذ بالأسباب، فلا يمكن أن تجلس وتستغفر الله ولا تعمل، وتظن أن السماء ستمطر عليك ذهبًا وفضة، بل خذ بالأسباب واستغفر الله، مؤكدًا أن خطبة الجمعة القادمة بإذن الله تعالى ستكون عن الأخذ بالأسباب، فالدعاء والاستغفار ليسا سلاح الضعفاء ولا الفقراء، بل هما سلاح الفقراء والأغنياء، والضعفاء والأقوياء، فكلنا في جنب الله فقراء وضعفاء، يقول سبحانه: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ».
واختتم: مهما كانت قوتك أو غناك أو مهارتك فأنت فقير إلى فضل الله (عز وجل)، فالطالب يجتهد في مذاكرته ويسأل الله التوفيق، والعامل يجتهد في مصنعه ويسأل الله التوفيق، فالتوكل الحقيقي هو أن تأخذ بأقصى الأسباب ثم تعتمد في نتائجها على الله سبحانه.