الدكتور أسامة حمدي: جامعة هارفارد الأمريكية تخلق جوًّا تنافسيًّا علميًّا رائعًا لا يمكن فيه إلا أن تجيد لتبقى
نشرالدكتور أسامة حمدي، أستاذ الباطنة والسكر بجامعة هارفارد، منشورًا جديدًا عبر صفحته الشخصية على موقع «فيس بوك»، وذلك مرور ربع قرن فيجامعة هارفارد الأمريكية.
وقال في منشوره: «يمر اليوم ربع قرن على التحاقي بالتدريس والبحث العلمي والعمل الإكلينيكي في جامعة هارفارد الأمريكية، وهذه الجامعة -كما نعرف- أقدم جامعات أمريكا وأعرقها، ومصنفة دومًا في الصدارة. وجامعة هارفارد تقود سياسة أمريكا واقتصادها، فمنها يتخرج كبار القادة في جميع مجالات الحياة، فلا يلتحق بها، أو يتخرج فيها، أو يعمل فيها إلا من يستحق، دون النظر إلى منشئه، أو دينه، أو لونه، أو جنسه. إذن، ما قصة هذه الجامعة التي أنشئت عام ١٦٣٦، كأول جامعة أمريكية، وبتبرعات المواطنين؟ ولماذا حصد خريجوها حتى الآن ٤٩ جائزة نوبل؟ جامعة هارفارد هي بلا شك لؤلؤة أمريكا التي تثمر لهم كل يوم».
واستكمل: «فوقف الجامعة من تبرعات خريجيها والمحبين لها وصل إلى ٥٠،٩ مليار دولار، أي ما يقرب من مجموع ميزانيات عدة دول! وربما يعتقد البعض أن دخل الجامعة الذي يقارب ٥،٨ مليار دولار سنويًّا، يأتي من مصاريف الطلاب! لكن الحقيقة أنه لا يمثل سوى ١٠٪ فقط من دخل الجامعة، فنحو ٥٤٪ من دخلها يأتي من تبرعات الأهالي، والخريجين، والشركات، و٣٦٪ من دخلها يأتي من ريع الوقف الذي يتنامى مع الاستثمار الجيد له، والذي كان يديره يومًا الاقتصادي المصري الناجح الدكتور محمد العريان». وتابع: «رغم كل ما تصرفه على الأبحاث فإن فائض ميزانيتها يبلغ ٤٠٨ ملايين دولار سنويًّا، يعاد استثمارها في الطلاب والابحاث، وسر تميز الجامعة يكمن في ثلاثة أشياء؛ أولها الاستثمار الضخم في الأبحاث العلمية، فكلية الطب وحدها تنشر سنويًّا ٢٢ ألف بحث علمي جاد، قد يؤدي أي منها إلى براءة اختراع، أو تطبيق تنتج عنه شركة منتجة، تسهم لاحقًا في دعم الجامعة، فترى الجامعة أن كل دولار تستثمره في الأبحاث يعود عليها بمقدار ٢،٤ دولار من النشاط العلمي، ويكفي أن تعرف أن مستشفى واحدًا من مستشفياتها نتج عن أبحاثه ٢٧٠ شركة منتجة، ويملك المستشفى الآن نسبة أسهم في كل شركة منهم. فبراءة الاختراع الواحدة قد تصل إلى مليار دولار».
وأضاف: «كما حدث مع زميلنا دوجلاس ميلتون، الذي نجح في تحويل الخلايا العادية للجسم إلى خلايا للبنكرياس تنتج الإنسولين، ستحل عن قريب مشكلة مرض السكر من النوع الاول نهائيًّا، وغيره كثيرون. ثاني أسباب النجاح: هو الاختيار الأمثل والدقيق جدًّا لطلاب الجامعة، دون النظر إلى الاعتبارات المادية، فغير القادر قد تتكلف الجامعة بجميع مصاريفه، أو تعطيه منحة أو قرضًا لاستكمال دراسته، فما يهم الجامعة هو استقطاب الطالب المتميز المتعدد الأنشطة والمواهب للالتحاق بها؛ فالجامعة تهدف إلى إعداد قيادات محلية وعالمية، فهم سندها في المستقبل، فدعمهم لها برد الجميل عند نجاحهم سياسيًّا واقتصاديًّا وماديًّا مهم جدًّا لاستمرار عجلة التميز، فتجد خريجي هارفارد في المناصب القيادية في جميع أنحاء العالم، وليس في أمريكا وحدها».
واستكمل: «تميزهم ليس في الاقتصاد والسياسة وحدهما؛ ولكن تراهم مميزين في الأدب، والرياضة، والفنون، فبجانب أن ثمانية من خريجيها شغلوا منصب رئيس الولايات المتحدة، هناك ٤٨ خريجًا حصلوا على جائزة بوليتزر Pulizer الشهيرة في الصحافة، والأدب، والموسيقي، و١١٠ حصلوا على ميدالية أولمبية، منها ٤٦ ذهبية، و١٠ حصلوا على الأوسكار في التمثيل».
وأوضح: «ثالث عوامل النجاح والتميز هو اختيار العاملين فيها من أعضاء هيئة التدريس، والبحث العلمي، والعمل الإكلينيكي، فهم معينها الذي لا ينضب، فالجامعة تخلق جوًّا تنافسيًّا علميًّا رائعًا، لا يمكن فيه إلا أن تجيد لتبقى، فكل علمائها يعملون في البحث العلمي الجاد، بجانب قيامهم بالتدريس والعمل، والجامعة لا تدفع إليهم رواتب؛ ولكنهم يحصلون على جزء من رواتبهم من التمويل الخارجي لأبحاثهم، وجزء آخر من عائد عملهم الإكلينيكي، وجزء ثالث مقابل تدريسهم ويحسب بالساعة».
واختتم: «لقد ضبطت جامعة هارفارد جميع تروسها للنجاح والابتكار، فقادت- وما زالت تقود- أمريكا في استثمارها الضخم في العلم المجدي، لا أعتقد أن في العمر ربع قرن آخر، ولكن كما تشرفت بتخرجي في جامعة المنصورة التي وُلِدت مع طفولتي، فلقد تشرفت بالعمل والتدريس في جامعة هارفارد منذ ربع قرن مضى، دربت فيها أكثر من خمسين طبيبًا وباحثًا من مصر وبلادنا العربية، شرفوني في كل مكان عملوا فيه، ودائمًا ما أفتخر بهم. بالطبع لم يكن الطريق من المنصورة إلى هارفارد سهلًا، ولكن لذلك مقالات أخرى، ربما تنفع مستقبلًا أولادنا وأحفادنا».