محمد مصلوح يكتب: صالح سليم فنان خسرته السينما المصرية
صالح سليم.. اسم كانت و مازالت تتغنى به جماهير النادي الأهلي، ونال أيضًا احترام جمهور المنافسين، فيعتبر أحد رواد كرة القدم المصرية والعربية، وقائد ثورة التطوير الحديثة في القلعة الحمراء، لدرجة جعلت النادي الأهلي يتوج بلقب «نادي القرن» في إفريقيا.
كما يعتبر صالح سليم أحد أبرز رؤساء النادي الأهلي على مر العصور، اعتبره الكثيرون وأنا منهم المثل الأعلى، والقدوة في كيفية تطبيق النظام بعمله في الإدارة العلمية المحترمة والمحترفة سواء في النادي الأهلي أو حياته الشخصية.
ارتبط نجوم الرياضة بالفن نظراً لتحقيق الاثنان شهرة واسعة، لكن قلما نجح لاعب كرة فى مجال الفن والسينما، ونظرًا لامتلاك المايسترو صالح سليم وجه سينمائي وسيم، أهله للعب دور البطولة في أفلام سينمائية، برع في أداءها، ونال عنها إعجاب كثيرين.
ويعد أسطورة الأهلى في فترة الستينيات "صالح سليم" أبرز الرياضيين فى تاريخ مصر الذين نجحوا فى عالم السينما بدوره فى فيلم "الشموع السوداء" الذى شهد على موهبته الفنية، ولكنه تعرض لنقد شديد من أصحاب الأقلام السواء نقاد أو سينمائيين مما جعله يرفض استكمال مشواره في السينما مكتفياً بـ3 أفلام فقط هم "السبع بنات، الباب المفتوح، الشموع السوداء".
البداية عن طريق أحمد رمزى
كانت الجماهير تهتف بإسم صالح سليم في مدرجات ملاعب الكرة، ولكن لم يتوقع أحد أن ينال "صالح" كل هذا الإعجاب من الجماهير قبل النقاد على أداءه في أفلامه وتحديدًا " الشموع السوداء". ولكن كانت البداية في فيلم «السبع بنات»، أمام الجميلات نادية لطفى، وسعاد حسني، وزيزي البدراوي، ومن إخراج عاطف سالم، وأدى فى الفيلم دور "نبيل" الشاب الرياضى الخلوق، وكان الترشيح للفيلم من الفنان أحمد رمزى الذى كانت تجمعه معه صداقة قوية، ليكون أيضاً " رمزى " هو السبب فى صداقة صالح سليم و الفنان عمر الشريف، ليبدأ صالح مشواره الفنى بعد اقناع المنتج حلمى رفلة للمخرج عاطف سالم بلاعب الكرة صالح سليم من أجل الاستفادة من شعبيته الطاغية.
50 جنيه عربون لصالح سليم عن فيلم «السبع بنات»
وقع «صالح» على عقد فيلمه الأول، الذي لم يفهم من بنوده شيئًا، كما ذكر الكاتب سلامة مجاهد في كتابه «صالح سليم.. أبيض وأسود»، وتسلم «عربون» فيلم «السبع بنات» بقيمة 50 جنيهًا من أصل 150 جنيهًا كان أجره عن الدور، ثم بدأ التصوير السينمائي ووقف للمرة الأولى أمام عدسات الكاميرا هذه المرة بطلًا سينمائيًا لا كرويًا، ثم بدأت متطلبات السينما ومقتضياتها تفرض ثوابتها على «صالح» حين طُلب منه أن يدخل غرفة المكياج فرفض، لكن فريق العمل أصر فاستسلم ثم أعلن أنه نظر في المرآة فلم يعرف نفسه.
اسم صالح سليم على الأفيش
كانت تلك بداية «صالح» في السينما في دور بسيط ظهر فيه كضيف شرف، وكُتب اسمه على «الأفيش» بصيغة: «ولأول مرة لاعب الكرة الدولي، صالح سليم»، وكان «صالح» في أول فيلم له كالجميع، حتى الذين أصبحوا فيما بعد فنانين مصر الأوائل، قلقًا ومتوترًا، وربما ساعد ظهوره كضيف شرف في أن يمر خفيفًا هادئًا على الجمهور منذ اللحظة الأولى.
تجربة فاشلة
لم ينال صالح سليم، إعجاب عدد كبير من النقاد السينمائيين وتوجهت له سهام النقد على دوره في الفيلم الأول له، ورأى البعض أنه «دخيل» على المهنة، في حين أعرب نقاد رياضيون عن قلقم إزاء توجه لاعب الكرة المشهور إلى السينما التي ربما تشده إليها وتنسيه «الساحرة المستديرة»، أما «صالح» فلم يكن هذا أو ذاك بل كان أكثر حزمًا من الرأيين ورأى أن تلك التجربة «فاشلة».. قولًا واحدًا.
ذو الفقار يعيد اكتشاف صالح وأجره يزيد لـ 300 جنيه
كان للمخرج العبقرى، عزالدين ذوالفقار، دوراً كبيراً فى إعادة صالح سليم للسينما مرة أخرى بفيلمه " الشموع السوداء"، لكن كبطل يقدم الدور الأول أمام نجمة الغناء، المطربة نجاة الصغيرة، وأكد ذو الفقار لصالح أنه يحتاج فقط عدة دورات تدريبية في التمثيل والإلقاء، وبالفعل درب ذو الفقار ، نجم الأهلي على التمثيل ليؤدى أفضل أدواره السينمائية والذى ارتفع أجره فيه لـ 300 جنيهًا.
ترك الفيلم غاضبًا وذو الفقار كان يسترضيه حتى يستكمل التصوير
كان يعرف في كل الأوساط الرياضية و غيرها أن صالح سليم رجل يلتزم بالمواعيد ويعرف كيف يكون مثالًا يحتذى به، أما العاملون في السينما فربما لا تعنيهم المواعيد كثيرًا، وهو ما أغضب «صالح» بشدة لدرجة أنه قرر ترك الفيلم خلال التصوير والذهاب إلى الإسكندرية، ولكن وفقًا لرواية «مجاهد» في كتابه، فإن «ذوالفقار» ظل يطارده ويرسل له مساعديه إلى باب البيت والنادي، وظل يسترضيه حتى يوافق على استكمال تصوير الفيلم.
كان يشتكي من نجاة الصغيرة
كانت شكوى «صالح» غريبة للغاية، فهو بجانب شكواه المستمرة من عدم احترام المواعيد إلا أنه كان متضررًا إلى حد كبير من صوت «نجاة» المنخفض، ومن كثرة طلبات إعادة التصوير في كل مشهد، وغيرها من الأمور السينمائية البحتة التي لم يحبها «صالح».
منديل عم رجب
وعندما سئُل صالح سليم في ندوة أقيمت بنادي سبورتنج بالإسكندرية عن كيفية إقناعه للجمهور بدوره كـ "كفيف"، وعن عشقه بكبرياء عندما وقع في الحب، فأجاب صالح سليم أن كلمة السر تكمن في عم رجب؛ حيث اقترح عليه عم رجب أنه سيقف وراء الكاميرا في نقطة معينة بمنديل أبيض، وعلى صالح سليم التركيز على المنديل الأبيض أثناء تأديته الدور، مما ساعده على التركيز، وإتقان الدور.
من أجل فاتن حمامة فقط
في عام 1963 جاءت التجربة الثالثة لصالح سليم مع السينما وفيلمه "الباب المفتوح" وبالرغم من نجاح فيلمه الثانى "الشموع السوداء" إلا أنه كان رافضاً تكرار التجربة ولكن جاءت موافقته من أجل فاتن حمامة.
عدم استكمال مشوار صالح بالسينما بسبب «لويس»
رفض صالح استكمال مشواره فى السينما وكان رأى الكاتب الصحفى الكبير لويس جريس، سبباً رئيسياً فى عدم استكمال المايسترو مشواره السينمائى، حيث كان من أشد منتقديه، إذ كتب بعد عرض فيلم " الشموع السوداء" مباشرة يقول: «نجم الكرة اللامع أصابته الخيبة في مجال السينما، المسكين جذبته الأضواء حتي صرعته وتركته للجمهور، والذى استرعى انتباهى ليلة الافتتاح، أن الجمهور من معجبيه الكرويين، لم يحاسبه علي هفوته، بل استقبله بالهتاف والتصفيق، ولكنهم همسوا لبعضهم بأنه "ممثل فاشل". ولعل الكثيرين من أصدقائه سينصحونه بالابتعاد عن السينما، لأنه لا يصلح لها، وكفاه أنه لُدغ من جحر واحد مرتين. ولذلك عمل المايسترو بنصيحة لويس جريس وترك التمثيل السينمائى.
لم يفقد صالح سليم ثباته وعزيمته في مواجهة المرض، ولم ييأس حين وجهت له تهم الإهمال، بل فضل عدم الإفصاح عن مرضه للرأي العام لاعتقاده أن مرضه "شيء يخصه وحده"، ورحل عن عالمنا يوم السادس من مايو عام 2002 عن عمر يناهز 72 عاماً، وشيع جثمانه مئات الآلاف من المصريين. رحم الله المايسترو صالح سليم النموذج الذي نحتذي به دائمًا في تطبيق المبادئ والإدارة المحترفة.