رئيس الوزراء يوجه رسائل واضحة أمام الأمم المتحدة بشأن سد النهضة.. النيل قضية وجودية.. والاستمرار في الملء دون اتفاق يُخالف كافة القواعد الدولية.. ويلحق أضرارا جسيمة بمصر والسودان
ألقى الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، كلمة مصر فيالاجتماع رفيع المستوى، الذيعُقد بالجمعية العامة للأمم المتحدة حول المياه، بمشاركة عدد من كبار المسئولين، عبر الفيديو كونفراس.
اقرأ أيضا:الخارجية: مصر تقود تحركا واسعا بالأمم المتحدة لاعتماد بيان حول قضايا المياه الدولية
واستهل رئيس الوزراء الكلمة، بتقديم التحية لرئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة، وسكرتير عام الأمم المتحدة، معربا عن سعادته لمشاركته فى هذا الاجتماع؛ لإلقاء كلمة مصر من على ضفاف نهر النيل، مؤكدا أن هذا النهر الخالد، الذى قامت على خيراته حضارات ألهمت الإنسانية وتركت علامات فى التاريخ لم يَمحُها مرور الزمن، وأن هذا النهر العظيم يهب الحياة لملايين المصريين وتعيش على ثرواته شعوب وادى النيل وترتبط به أرزاقهم ومصائرهم.
نهر النيل قضية وجودية للمصريين
وقال الدكتور مصطفى مدبولى إن هذا الواقع، الذى فرضته حقائق الجغرافيا والتاريخ حَـتَّـم على الدولة المصرية أن تُولى مسألةَ المياه أولوية قصوى؛ نافيا فى هذا الصدد أن يكون هذا الأمر بالنسبة لمصر مجرد شأن بيئى يرتبط بالإدارة الرشيدة والمستدامة لمورد طبيعي، أو يكون مجرد موضوع له أبعاد حقوقية تمس الحق الأصيل لكل إنسان فى النفاذ للمياه، وكذلك فإنه ليس عبارة عن قضية لها خلفيات قانونية تتصل بالنقاش الدولى الدائر حول المبادئ الحاكمة لاستغلال الأنهار الدولية والاستفادة منها، كما أنه ليس ملفا سياسيا يتصل بالعلاقات بين الدول المتشاركة فى الأنهار العابرة للحدود؛ مشددا على أن مسألة المياه ونهر النيل تحديداً بالنسبة لمصر تتجاوز كل تلك الاعتبارات وترتقى إلى مرتبة القضية الوجودية التى ترتبط بحياة هذا الشعب وببقائه.
وفى هذا السياق، أشار رئيس الوزراء إلى أن مصر تُثمن تنظيم هذا الاجتماع رفيع المستوى؛ من أجل التباحث حول قضايا المياه الدولية فى سياق "عقد المياه 2018-2028"، الذى يأتى فى فترة يشهد العالم فيها تحديات جساما فى سبيل تأمين نفاذ الإنسان بل وشعوب بأسرها للمياه، لافتا إلى أن من أبرز هذه التحديات تصاعد أزمة الشُح المائى ونُدرة المياه لأسباب وعوامل طبيعية وبشرية أهمها وأخطرها زيادة معدلات استهلاك الموارد المائية المتجددة، وكذلك الارتفاع المضطرد فى معدلات النمو السكاني، والتدهور البيئي، وتغير المناخ، بالإضافة إلى المشروعات العملاقة التى تقام لاستغلال الأنهار الدولية بشكل غير مدروس ودون مراعاة لأهمية الحفاظ على سلامة واستدامة الموارد المائية الدولية.
مصر تُعوِّل على مسار عقد المياه 2018 – 2028
وقال الدكتور مصطفى مدبولي: كل هذه العوامل أسهمت فى تفاقم أزمة المياه وأثرت على قدرة الدول على الوفاء باحتياجات شعوبها من المياه، الأمر الذى يُحول قضية المياه ومسألة إدارة الموارد المائية إلى تهديد يمس أَمن وسلامة دول وشعوب، ويُؤثر على استقرار أقاليم بأسرها، مؤكدا أن مصر تُعوِّل على مسار " عقد المياه “2018 – 2028" لدفع الجهود الدولية الساعية لمواجهة هذه التحديات، وذلك من خلال تطوير المفاهيم والمبادئ، التى من شأنها تعزيز الإدارة الرشيدة والمستدامة للموارد المائية، وحث الدول التى تُـشاطئ الأنهار الدولية على إعلاء قيم التكامل والتشارك، وتفعيل قواعد العدالة والإنصاف، وعدم الإضرار بمصالح جيرانها.
اقرأ أيضا:رئيس الوزراء: الملء الثاني لسد النهضة يخالف الالتزامات والاتفاقيات الدولية
وخلال كلمة مصر التى ألقاها أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، أكد رئيس الوزراء أن الدولة المصرية ستستمر فى الانخراط بجدية ونشاط فى الإعداد الجارى لمؤتمر مراجعة منتصف المُدة المُقرر عقده فى عام 2023، وهو ما تَجسَّد فى حرص مصر على التعاون مع مجموعة عبر إقليمية من الدول؛ من أجل اعتماد البيان المشترك حول المياه على هامش اجتماعنا اليوم، والذى حظى بتأييد واسع يبرهن على أهمية تناول مسارنا الراهن للأولويات التى يتضمنها.
وأضاف أن الأولوية التى تُوليها مصر لقضايا المياه انعكست أيضا فى الرؤية الشاملة "مصر 2030"، التى تبنتها الحكومة المصرية، والتى تتضمن برنامجاً وطنياً طموحاً يخاطب كافة مناحى الحياة، وعلى رأسها تحقيق الهدف السادس من أهداف التنمية المستدامة، كما وضعت الدولة الخطة الاستراتيجية لإدارة الموارد المائية حتى عام 2037باستثمارات تتجاوز 900مليار جنيه مصري؛ بهدف تحسين نوعية وجودة المياه، وترشيد استخدام الموارد المتاحة حالياً، إلى جانب تنمية موارد مائية جديدة، مع السعى لرفع كفاءة منظومة الرى المصرية، وذلك لمواجهة تحدى الشُح المائي.
نصيب الفرد فى مصر لا يتجاوز 560 مترا مكعبا
وفى ضوء ذلك، أوضح رئيس الوزراء أن نصيب الفرد فى مصر لا يتجاوز 560 مترا مكعبا سنوياً من المياه، فى الوقت الذى عرفّت فيه الأمم المتحدة الفقر المائى على أنه 1000 متر مكعب للفرد فى السنة، مؤكدا أن هذه الأزمة تعكس حقيقة أن مصر من أكثر الدول جفافاً والأقل نفاذاً للموارد المائية المتجددة، كما أنها تعتبر الأعلى من بين دول العالم من حيث نسبة الاعتماد على مصدر أوحد للمياه المتمثل فى نهر النيل، الذى يوفر 98% من احتياجاتنا المائية.
قلق مصري من تطورات ملء السد
وقال الدكتور مصطفى مدبولى خلال الكلمة: أنقل إليكم قلق مصر؛ حكومة وشعباً من التطورات الأخيرة ذات الصلة بملف سد النهضة الأثيوبي، وهو المشروع العملاق الذى سيكون أكبر مُنشأة لتوليد الطاقة الكهرومائية فى إفريقيا، والذى أمضينا عقدا كاملا فى مفاوضات مُضنية مع الأشقاء فى السودان وإثيوبيا؛ من أجل التوصل إلى اتفاق عادل ومتوازن يحقق لإثيوبيا أهدافها التنموية، ويحد فى الوقت ذاته من الأضرار المائية والبيئية والاجتماعية والاقتصادية لهذا السد على مصر والسودان.
أسف من عدم جدوى المفاوضات السابقة
كما عبر رئيس الوزراء، خلال إلقائه لكلمة مصر، عن الأسف الشديد لعدم توصل هذه المفاوضات، التيجرت فى أطر مُتعددة لسنوات ممتدة، بمشاركة وسطاء وشركاء دوليين وبرعاية أشقاء أفارقة إلى الاتفاق المنشود، بل على العكس فإن السنوات الماضية شهدت نهجا إثيوبياً يسعى لفرض الأمر الواقع واتخاذ إجراءات أحادية، دون مراعاة لحقوق ومصالح دولتى المصب، وهو ما تجسد فى قيام إثيوبيا بالبدء فى ملء سد النهضة فى العام الماضي، وكذلك فى إعلانها عن أنها سوف تستمر فى عملية الملء خلال صيف العام الجاري، حتى وإن لم تتوصل الدول الثلاث إلى اتفاق، مشددا على أن هذا الإجراء يُخالف كافة الالتزامات والقواعد الدولية، ويهدد بإلحاق أضرار جسيمة بمصالح مصر والسودان.
الوضعيُحتم العودة لمفاوضات جادة برعاية إفريقية ومشاركة دولية
وخلال إلقائه كلمة مصر، أكد الدكتور مصطفى مدبولى أيضاً أن الوضع الحالى لملف سد النهضة يُحتم علينا العودة إلى مفاوضات جادة وفعّالة برعاية إفريقية، وبمشاركة نشطة من المجتمع الدولي؛ وذلك للتوصل فى أسرع وقت ممكن إلى اتفاق عادل ومتوازن ومُلْزِم قانوناً بشأن ملء وتشغيل سد النهضة قبل موسم الفيضان المقبل، وبما يُجنب منطقتنا المزيد من التوتر والاحتقان ويحقق مصالح الدول الثلاث، وَيُعزز فى الوقت نفسه من أواصر التعاون والتكامل بين بلادنا وشعوبنا.
واختتم رئيس الوزراء كلمة مصر فى اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة، بالتأكيد على أن مواجهة التحديات الجسيمة فى ملف قضايا المياه تُحتم ضرورة إعلاء مبادئ التعاون والتضامن الدولى وتجنب التـناحر والاستقطاب، لافتا إلى أن مصر لن تدخر جهداً فى دفع أجندة المياه فى الأمم المتحدة والمحافل متعددة الأطراف وتأمين حصولها على الاهتمام اللازم، الذى يتسق مع قيمة المياه التى لا تُقدر بثمن، والتى ترتبط ببقاء الإنسان وحياة شعوب بأسرها.