فى ذكرى رحيل حسن حسنى.. ملك الكوميديا الذي بدأ مشواره بأدوار الكومبارس ثم أصبح جوكر السينما وكان شاهدا على صعود جيل كامل

مدارات كثيرة دار حولها الفنان الراحل حسن حسني الذي تحل اليوم الاثنين 30 مايو ذكرى وفاته الثانية، خلال رحلته الفنية المضنية، فلم يكن الطريق ممهداً أمامه ليصبح ممثلاً يشار إليه بالبنان كما كان يعقد الآمال، وهو لا يزال مجرد طاقة فنية كامنة تنتظر الفرصة لتتفجر.
لقد أفنى الممثل المغمور وقتاً طويلاً وهو يجرب حظه في الفرق المسرحية الصغيرة متلمساً النور في دربه العسير، وحين شارك لأول مره في التمثيل في الفرقة المسرحية العسكرية كان ذلك بمثابة الوعد الذي ظل يترقبه ليؤكد أن موهبته ليست وهماً.
ولكن حُلماً أكبر من تلك البداية البسيطة كان يراود الفنان العنيد فبات يبحث عن الأفضل من الفرص بين الفرق المسرحية الأخرى إلى أن تجاوز مرحلة الحُلم فصار وجودة الفني حقيقة وواقعاً ملموساً.
بعد مرحلة التجريب الطويلة في المسرح كان اللقاء الأول مع السينما عابراً، لكن الموهبة استطاعت أن تثبت نظر الجمهور على اللحظة العابرة التي ظهر خلالها الممثل الناشئ على الشاشة في فيلم «الكرنك» للمخرج علي بدرخان لبضع دقائق ضمن مجموعة من المقبوض عليهم والمساقون عنوه للتحقيق في قضية سياسية لا يعرفون عنها شيئاً حسب المقصد الدرامي للسيناريو المكتوب آن ذاك، وبدوره استطاع حسن حسني بمجرد النظرة أن يترك التأثير التراجيدي المطلوب واحتُسبت له الفرصة العارضة كإطلالة متميزة من نافذة السينما على عالم الشهرة والإبداع والتمثيل وقُيدت لصالحة كسابقة أولى مُبشرة.
وكما كان متوقعا لم تمر الإشارة السينمائية الدالة على ميلاد الموهبة الجديدة مرور الكرام، ولكنها جاءت كنقطة بداية لتتوالى بعدها نقاط كثيرة تضع حسن حسني داخل دائرة الضوء فتأتيه الفرصة الأكبر متمثلة في دور أكثر وضوحاً في فيلم «سواق الأتوبيس» مع المخرج عاطف الطيب أمام نور الشريف وعماد حمدي وعلي الغندور ووحيد سيف، فيلفت النظر مجدداً أداءً وتمثيلاً، حيث تميز أسلوبه بالتلقائية الشديدة فارتقى إلى عدة أدوار أخرى أسندها إليه مخرجون كبار كان الطيب على رأسهم، إذ منحه فرصة العمر في فيلم «البريء» ليجسد الشخصية الثانية بجوار محمود عبد العزيز، الضابط المستبد المسؤول عن المعتقلين السياسيين في فترة الستينيات، وقد تفوق حسن حسني في القيام بدور الصول القاسي تفوقاً ملحوظاً كان كفيلاً بتقدمه بخطى واثقة في مسيرته السينمائية ليصبح واحداً من أهم نجومها وأكثرهم تمرساً واحترافية.
وثمة ارتباط شرطي بين نجاح فيلم «البريء» وبين الفنان الراحل جعل أدواراً أخرى من نفس النوعية تُسند إليه ويحقق من خلالها نفس التأثير الإيجابي فتُصبح علامة دالة عليه، كفيلم «الهروب» في بطولة مشتركة مع أحمد زكي وأبو بكر عزت وعبد العزيز مخيون ومحمد وفيق ليتم الرهان عليه من جانب المخرج الكبير ليكون نداً لكل هؤلاء من دون وجود أدنى مسافة بينهم، فيكسب الرهان بإصراره على التميز وتماهيه الكامل داخل شخصية الضابط القيادي المعاون لأبو بكر عزت في التخطيط للقبض على المجرم الهارب.
وبمقياس الإجادة نفسه والتفوق، يلعب دوراً مشابهاً مع أحمد زكي للمرة الثالثة في فيلم «زوجة رجل مهم» للمخرج محمد خان، يجسد فيه دور ضابط كبير في قطاع أمني مهم تتم إقالته من منصبه جراء فشله في احتواء أحداث الشغب التي جرت وقائعها في سبعينيات القرن الماضي، وهي أحداث منقولة عن حوادث حقيقية وثقها الفيلم وأصبح شاهداً عليها.
وظل الفنان الكبير الراحل حسن حسني خلال رحلته الطويلة يقدم نوعيات سينمائية تتباين في مستوياتها الفنية والدرامية، لكنها تعكس صدق موهبته وجوهر ثقافته، ولعلها أيضاً تكشف جانباً من انتمائه الإنساني للطبقة الوسطى وانحيازه الاجتماعي للهامشيين الذين يعيشون على حد الكفاف وهذه المعاني بدت واضحة وجلية في أفلام مثل «سارق الفرح» للمخرج داود عبد السيد و«دماء على الأسفلت» و«كتيبة الإعدام» و«ناصر 56 والديكتاتور» والأخير على وجه التحديد كان إلى حد ما يدق ناقوس الخطر للتنبيه إلى عواقب توريث السُلطة قبل نحو 12 عاماً تقريباً، ولم تكن مثل هذه التجارب مُستحبة، وإنما تحت الغطاء الكوميدي تم تمرير الفيلم باعتباره عملاً خفيفاً وحسب، ولكن بعد سنوات من إنتاجه أعيد تقييمه من جديد كتجربة مكنت حسني من تحقيق حُلمه في البطولة المُطلقة التي لم تأته إلا مناصفة مع أحد النجوم الشباب حينئذ خالد سرحان.
وأمام إصرار المنتجين والمخرجين على وجود الممثل القدير كعنصر في المعادلة الفنية ضمن عناصر إضافية، فلم يجد بدا من القبول بالأمر الواقع وأخذ في قبول أدوار كثيرة أقل من قدراته وموهبته كان لها في بعض الأحيان تأثيرات سلبية على تقييمه كممثل، خاصة سلسلة أفلام «اللمبي» التي قدمها مع محمد سعد وما تلاها من تجارب مماثلة مثل «عبود على الحدود» و«الناظر» و«يا أنا يا خالتي» و«حبيبي نائماً» و«كده رضا» وغيرها من أفلام لم تكن سعيدة الحظ من حيث الجودة وإن كانت قد لاقت رواجاً في حينها وحققت أرقاماً قياسية من الأرباح في شباك التذاكر، لكنها خصمت من رصيد الفنان ومسيرته ما لم تعوضه الإيرادات التي ذهبت كلها إلى جيوب المنتجين لينفرد وحده بالنقد واللوم والمسؤولية الأدبية أمام الجمهور الذي أحبه وعاتبه واختلف معه وغفر له.