من مصّ القصب إلى الخلاف على الفلوس.. قصة اللقاء الأول بين زكريا أحمد وأم كلثوم
كونا معا ثنائيا غنائيا لم يتكرر، إنه الشيخ زكريا أحمد وكوكب الشرق أم كلثوم وفي الذكرى السبعين لوفاة الشيخ زكريا أحمد نحكي لكم أسرار هذه العلاقة الفنية، والتي بدأت عام 1920، ففي ذلك العام دعي لإحياء شهر رمضان عند أحد تجار السنبلاوين وكان يدعى عليأبو العينين، وقد عرفه من خلال المرحوم الشيخ أبو العلا محمد الموسيقي، ومحمد عمر عازف الفانون، وقد اتفقا مع زكريا أحمد على أجر مناسب بشرط أن يغني بعد انتهائه من تلاوة القرآن.
وبالفعل ذهب زكريا أحمد للسنبلاوين، وبدأ شهر رمضان وسهرات رمضان، وفي الأسبوع الثالث من رمضان حضر المرحوم محمد عمر وبدأوا في إحياء حفلات غنائية، زكريا أحمد بصوته مع العود ويصاحبه محمد عمر بآلة القانون، وفي إحدى الليالي أخبروا زكريا عن إعداد مفاجأة عظيمة له، وهو أنهم اكتشفوا في بلدة مجاورة أجمل صوت سمعوه.
انتظر زكريا برفقة الفرقة ولاحظ حضور فتاة صغيرة وصف زكريا أول مرة قابلها كأنه لم ينساه أبدا، «كانت تلبس العقال العربي وتتعثر في خطواتها الخجلة، ومعها أخوها وهو شاب يرتدي الجبة والقفطان والعمامة ولا أدري السر الذي جذبني لهذه الفتاة وجعلني أؤمن بأنها لا بد صاحبة هذا الصوت العجيب بالرغم من أن أخاها خالد كان يقودها بل ويكاد يقود حركاتها».
بدأ زكريا صاحب الـ 24 عاما وقتها يحادث أم كلثوم للمرة الأولى فلاحظ ذكاءها الذي يسبق سنها الصغير الذي لم يكن يتعدى الخامسة عشرة، وأعجب منها أيضا بخفة دمها وروحها التي لم تفارق أم كلثوم حتى وفاتها، «كانت وقتها تمتاز بسذاجة الفطرة الريفية».
وبعد الكثير من الأحاديث بينهما طلب زكريا منها أن تغني فغنت أم كلثوم وأبدعت، ويقول زكريا في مذكراته: «ومنذ ليلتها وأنا أصم لا أسمع إلا صوتها، وأبكم لا أتحدث إلا باسمها، فقد أصبحت مفتونا بها وأقول مفتونا لأنني أحببتها حب الفنان للحن خالد تمنى العثور عليه دهرا طويلا».
وطلب منها زكريا أن تزوره طيلة شهر رمضان وبالفعل واستجابت لرغبته، رغبة في الاستماع إلى الأغاني والقصائد التي كان يغنيها زكريا كل ليلة، وكان دائما ما يحاول تحفيظها لها.
ثم توطدت العلاقة بين زكريا وأم كلثوم وخالد أخيها ودعوه لزيارتهم في منزلها بطماي الزهايرة، وهناك عرفته أم كلثوم بوالدها الشيخ إبراهيم، فقضى معهم زكريا أوقاتا طيبة، استعاد فيها نزوات الصبا ومرح الطفولة.
كان يقضي الكثير من الوقت برفقة أم كلثوم، استعاد فيها مرح الطفولة: «كنت أمص القصب مع أم كلثوم وألاعبها الورق على الطبلية، وذلك لإرضائها»،كما قال زكريا، فكانت أم كلثوم وقتها فتاة طليقة غير مقيدة بالمسئولية التي تقيدها.
وانتهى شهر رمضان وافترقا وعاد زكريا إلى القاهرة وبقيت أم كلثوم بطماي الزهايرة، ولكن كانت تراسله دائما: «كانت أم كلثوم تراسلني بخطابات تحمل عبارات ساذجة مكتوبة بحبر أخضر يذكرني بالخضرة والصوت الحسن وكانت خطاباتها تدفعني دائما إلى القيام بالدعاية لها والحديث عنها دون سبب»،كما قال في مذكراته.
وفي نهاية عام 1920 زار زكريا أحد أصدقائه من التجار وطلب منه إحياء فرح، فكتب زكريا إلى أم كلثوم وكان أول خطاب يكتبه إليها لتقوم هي بإحياء هذا الفرح، فجاءه رد منها بالقبول، وكانت أجرة الليلة ثمانية جنيهات، ولكن بعد انتهاء الحفلة حصلت على 10 جنيهات.
ومنذ هذه الحفلة وتوالت عليها العروض والمناسبات.
بدأ الشيخ زكريا التلحين لأم كلثوم عام 1931 بأغنية «اللي حبك يا هناه» من تأليف أحمد رامي، ولزكريا أحمد سجل طويل من الأغنيات التي لحنها لأم كلثوم بلغت حوالي 60 أغنية بعضها للسينما،
ومن أشهر ما لحن لها: أهل الهـوى، الآهـات، الأمـل، أنا في انتظارك، كل الأحبة اتنين، هوه صحيح، غنى لى شوي شوي، عن العشاق سألوني، الورد جميل، الليلة عيد (حبيبى يسعد أوقاته).
بدأ الخلاف بينهما في عام 1947 بسبب حقوق الأداء العلني للأغنياتواستمرلـ 13 عاما، وذلك بسبب اعتراض «الشيخ» على تقاضي كوكب الشرق أموالًا نظير إذاعة أغنياتها بالإذاعة المصرية، الأمر الذي جعله يطلب الحصول على نسبة من إذاعة أغنياته التي قام بتلحينها في إطار حقوق الملكية، وهو المطلب الذي لم يلق استحسانًا لدى أم كلثوم، ورفضت منحه أي نسبة من إذاعة هذه الأغنيات.
رفض أم كلثوم، جعلت الشيخ زكريا أحمد، غاضبًا من طريقة التعامل معه ومن رفض الإذاعة منحه نسبة بزعم أنه تنازل لـ«الست» عن حقوق هذه الألحان، الأمر الذي أكد عدم صحته وأنه لم يتنازل لها عن حقوقه فيما يقدمه لها من ألحان، واضطر«الشيخ» أن يلجأ للقضاء المصري.
في بداية الستينيات من القرن الماضي، ووسط حضور مكثف من المواطنين وعشاق أم كلثوم والشيخ زكريا، تدخل القاضي خلال نظر القضية التي أقامها «الشيخ» ضد كوكب الشرق، بمحاولة الصلح بينهما، خاصة وأن الجميع يتمنى عودة أم كلثوم للغناء على نغمات الشيخ زكريا.لتنتهي الازمة ويقدما رائعتهم “هوا صحيح الهوا غلاب “ عام 1961 ليتوفى بعدها زكريا بشهرين.
في عام 1961، اجتمعت لجنة جوائز الدولة التقديرية للفنون لمناقشة ترشيحات الهيئات الفنية لبعض كبار الفنانين لنيل الجائزة، وكانت أم كلثوم أحد أعضاء اللجنة، فاقترحت منح الجائزة لزكريا أحمد، قائلة: إن وفاة الفنان الخالد، لا يمكن أن تكون عائقا لمنحه جائزة.
طلب أم كلثوم وقتها أثار دهشة باقي الأعضاء، حيث كانت تلك المرة الأولى التي تتلقى فيها اللجنة اقتراحًا بمنح الجائزة لفنان متوفي، وأوضحت أم كلثوم أن الموسيقار الراحل هو أحق المرشحين للجائزة، واصفة إياه بالفنان العبقري الذي وهب نفسه وروحه وكل جهوده لخدمة الموسيقى الشرقية، وذلك بحسب مجلة آخر ساعة.
ووافقت اللجنة على اقتراح أم كلثوم، ورفعت قرارها إلى المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب الذي له الكلمة الأخيرة في ترشيح الموسيقار للفوز بجائزة الدولة التقديرية التي كانت قيمتها في ذلك الوقت 2500 جنيها.
رابط اغنية هوا صحيح الهوا غلاب:
https://www.youtube.com/watch?v=cZIq9bcmhEc&feature=emb_logo