محمود محيي الدين: الذهب يتفوق على الدولار فى احتياطات البنوك المركزية لأول مرة

قال الدكتور محمود محيي الدين، المدير التنفيذي بصندوق النقد الدولي والمبعوث الخاص للأمم المتحدة لتمويل التنمية، إن مستقبل الدولار الأمريكي كعملة احتياطية دولية يواجه عدة تحديات متراكمة، رغم احتفاظه حتى الآن بنسبة تقارب 60% من مكونات الاحتياطي العالمي، يليه اليورو بنسبة 20%، ثم باقي العملات بنسب متفرقة.
وأضاف محيي الدين، خلال لقائه في صالون ماسبيرو الثقافي، الذي يعرض على شاشة "إكسترا نيوز"، أن أحد أبرز الاقتصاديين، وهو كين روجوف، قدّم طرحًا مهمًا في كتابه بعنوان: "دولارنا.. مشكلتكم أنتم"، حين قررت الولايات المتحدة إلغاء ربط الدولار بالذهب في السبعينيات، وقال للأوروبيين: "هذا دولارنا، وهذه مشكلتكم". وأوضح أن الاعتماد العالمي على الدولار لم يأتِ من فراغ، بل بسبب عمق الأسواق المالية الأمريكية، وقوة القانون، وحماية الحقوق، وأداء اقتصادي نسبي ما يزال متفوقًا على غيره.
وأكد محيي الدين أن استمرار الدولار في مكانته مرهون بثلاثة عوامل رئيسية: أولها ظاهرة الاعتياد، كما وصفها الرئيس البرازيلي "لولا"، والثاني هو قوة الأدوات المالية الأمريكية وحماية الحقوق، والثالث الأداء الاقتصادي الأمريكي، موضحًا أن أي خلل كبير في أحد هذه المحاور قد يدفع الدول والمؤسسات للبحث عن بدائل تدريجيًا.
وفي هذا السياق، أشار محيي الدين إلى الارتفاع اللافت في أسعار الذهب عالميًا، والذي زاد بنسبة تقارب 35% بالدولار منذ بداية العام، مشيرًا إلى أن الذهب لم يعد فقط وسيلة ادخار تقليدية للأفراد، بل أصبح مكونًا رئيسيًا في احتياطات البنوك المركزية العالمية، متفوقًا على أذون وسندات الخزانة الأمريكية لأول مرة منذ أكثر من 32 عامًا. وقال إن هذا التحول يعكس تراجع الثقة النسبية في أدوات الدين الأمريكية.
وشدد محيي الدين على أن التحوّل الكامل بعيدًا عن الدولار كعملة احتياطية دولية لن يحدث بسهولة أو سريعًا، إلا إذا ظهرت بدائل حقيقية تملك نفس مقومات القوة والاستقرار. ولفت إلى أن العملات الرقمية مثل البيتكوين ليست بديلًا مطروحًا بجدية لدى البنوك المركزية، نظرًا لتذبذبها الشديد وغياب الجهات المنظمة لها.
واختتم محيي الدين بالإشارة إلى أن النقاش حول مستقبل الدولار يرتبط بشكل مباشر بتغيرات في السياسة النقدية، وأسعار الفائدة، والتوجهات الاقتصادية العالمية. وأكد أن البنوك المركزية الآن تبحث بجدية عن تنويع في مكونات الاحتياطي، وهو ما يظهر في الإقبال المتزايد على الذهب، باعتباره ملاذًا آمنًا وسط التوترات الجيوسياسية والاقتصادية المتزايدة.
وقال الدكتور محمود محيي الدين، إن النظر إلى الزيادة السكانية باعتبارها عبئًا فقط هو أمر خاطئ، لأن الإنسان ليس مجرد "ساكن" بل هو مورد وأداة إنتاج وتطوير وابتكار، مضيفا أن النظرة التقليدية للاقتصاد كانت تعتبر عناصر الإنتاج هي: الأرض، ورأس المال، والعمل، ومعهم المنظم، لكن المفهوم الحديث يُبرز البشر والأفكار كأهم عوامل التقدم.
وأوضح محيي الدين، أن هذه الرؤية ليست نظرية فقط، بل تستند إلى نماذج اقتصادية حديثة حازت اعترافًا عالميًا، مثل نموذج "النمو الذاتي" الذي نال بسببه الاقتصادي بول رومر جائزة نوبل، لأنه تمرد على النموذج التقليدي وأكد أن الاستثمار في البشر والمعرفة هو المحرك الرئيسي للنمو، وليس فقط وفرة الموارد أو رأس المال.
وأشار إلى مثال سنغافورة، التي بدأت في الستينيات بلا موارد طبيعية تُذكر، ولا رأس مال، وحتى طُردت من الاتحاد الماليزي، لكن بفضل الاستثمار في التعليم والرعاية الصحية، أصبحت نموذجًا عالميًا في التنمية وجاذبة للاستثمار، رغم مساحتها المحدودة. وأكد أن هناك زيارة مهمة مرتقبة لمسؤول كبير من سنغافورة إلى مصر، داعيًا إلى الاهتمام بها إعلاميًا وشعبيًا، لأنها فرصة لفهم تجربة تنموية ملهمة.
وأكد محيي الدين أن رأس المال البشري لا يمكن أن يُفعل دون بيئة معرفية وابتكارية، وأن البيانات والمعلومات أصبحت اليوم أساس كل شيء، خاصة في عالم الإعلام وصناعة القرار. وقال: "البيان المضلل لا يضر فقط القارئ، بل يضلل صانع القرار أيضًا، ويعيق التنمية".