محمود سعد الدين يكتب: كيف ظهر الرئيس بشكل مختلف فى الكاتدرائية؟ ولماذا حرص السيسي على تقديم مصطلح جديد للجمهورية الجديدة بالقادرة وليست الغاشمة؟ وما دلالة استبدال مصطلح أهل الشر بكلمة الفتنة؟
رغم الحرص الدائم للرئيس عبد الفتاح السيسى كل عام على المشاركة فى احتفالات عيد الميلاد بالكاتدرائية، غير أن زيارة هذه السنة تختلف فى مضمون ما تحمله من رسائل وتدفعنا للقول بأن القائمين على ترتيب الزيارة وإخراجها للنور وقفوا على ضرورة اختلافها عن كل ما سبق لكى لا يتحول الأمر لزيارة بروتوكولية سنوية لتهنئة الإخوة الأقباط فقط، إنما زيارة وتهنئة لها دلالاتها داخل وخارج مصر بكل كلمة أو موقف أو تصرف أو عبارة يطلقها الرئيس.. وسأقف وهنا على عدد من النقاط الهامة بالتحليل والفهم لكلمة الرئيس.
أولا: الرئيس يستبدل مصطلح أهل الشر بكلمة الفتنة
طوال عهدنا بالرئيس السيسي، نستمع منه لمصطلح أهل الشر، ومع مرور الوقت أدركنا وعرفنا القصد منه وعاصرناه بمواقف كثيرة، ولكن الملاحظ أن الرئيس استبدل كلمة أهل الشر من قاموس مصطلحاته بكلمة «الفتنة» وقال الرئيس نصا: «اوعوا حد يدخل بينا.. اوعوا حد يفتنا.. لأن ده مش هينتهي.. كل ما هنكمل وهننجح».
كان من الممكن أن يقول: «اوعوا حد يدخل بينا.. احذروا من أهل الشر.. مش هيسبونا كل ما هنكمل وهننجح».
وهنا يجب أن نقف عند دلالة استخدام كلمة الفتنة والمكان الذى خرجت منه والتوقيت فى طرحها، المكان هو الكاتدرائية وهو بيت من بيوت الله، والزمان هو احتفالات عيد الميلاد.
الرئيس حذر من الفتنة وهو يعلم أن العلاقة بين المسلمين والأقباط فى أفضل أحوالها منذ سنوات طويلة، الرئيس حذر من الفتنة رغم أنه الوحيد الذى امتلك الشجاعة دون غيره بإصدار قانون دور العبادة للنور، الرئيس حذر من الفتنة رغم أنه الوحيد من رؤساء مصر الحريص على حضور الاحتفالات والسير فى وسط الكنيسة وهو يستقبل كلمات الحب من الإخوة الأقباط الصادرة من القلب.
إذًا، لماذا كلمة الفتنة؟، كلمة الفتنة هنا لها مغزى يعلمه جيدا الدوائر العليا بالبلاد، لديهم معطيات على أمور قد يترتب عليها تطورات سلبية فى النسيج الوطنى ما استدعى التحذير المطلق منها، ويكون التحذير من قلب بيت من بيوت الله وهو الكنيسة وفى يوم عظيم لديهم هو يوم عيد الميلاد المجيد.
وهنا يجب الوقوف أيضا عند القاعدة التي ينطلق الرئيس السيسي منها في معالجة كل قضية وهى الوعي ثم الوعي: «عرف الناس وكلمهم.. عشان يحسوا بيك ويقدورا الوضع الراهن» وهو نفس التصرف الذى ينتهجه الرئيس حاليا مع خطر محتمل اسمه «الفتنة».
ثانيًا: القادرة وليست الغاشمة، السالمة وليست المستسلمة، تعريف جديد للجمهورية الجديدة لم نسمعه من قبل.
الجمهورية الجديدة فى عقول المصريين هي تلك المشروعات التي تنفذها الدول بكل جهد وقوة وعمل شاق فى كل أنحاء مصر بداية من العاصمة الإدارية مرورًا بالعلمين، وصولا إلى تنمية الصعيد وغيرها من مئات المشروعات الهامة، وبالتالي كانت المصطلحات المرتبطة بالجمهورية الجديدة هي البنية التحتية والطرق الجديدة والأبراج الشاهقة، وأصبح الحديث عن تدشين الجمهورية الجديدة مرتبط طوال الوقت بافتتاح مشروع جديد على الأرض.
الملفت هنا فى كلمة الرئيس بالكاتدرائية، أن السيسى ولأول مرة يقدم مفهوم جديد عن الجمهورية الجديدة وقال بالنص: «الجمهورية الجديدة دي جمهورية الحلم والأمل والعلم، الجمهورية القادرة وليست الغاشمة، الجمهورية السالمة وليست المستسلمة، كلنا على قلب رجل واحد فيها».
الأكيد أننا أمام تعريف مختلف ومميز يقدم للجمهورية الجديدة من رئيس الدولة في عام جديد، يصنف فى أجندة الحكم على أنه عام جنى الثمار من كل المشروعات التي بدأناها مند سنوات، والأكيد أيضا أن بعض الكلمات المستخدمة مثل: «الجمهورية القادرة وليست الغاشمة ، الجمهورية السالمة وليست المستسلمة»، هي كلمات بترتيب مسبق لكى تقال فى مكان مهم وبتوقيت مهم لتكون رسالة قوية مع بداية السنة الجديدة.
أعتقد أن هذا الطرح لمفهوم الجمهورية الجديدة هو نواة لتعريف أشمل وأكبر يجرى صياغته لإعادة النظرة السليمة للجمهورية الجديدة على أنها ليست بنايات وطرق فقط إنما بنايات وطرق وفهم ووعى ودراية بتحديات أوسع تضع مصر على خريطة العالم.
ثالثًا: مصطلحات أساسية في قاموس الرئيس مع بداية سنة جديدة «بلدنا تتسع للجميع دون فرق أو تمييز»
بدا واضحا حرص الرئيس السيسي فى بداية كلمته التي لم تزيد عن ٨ دقائق تقديم فكرة المساواة وعدم التمييز وأن يقصد الرئيس ذكر هذه العبارات فى البداية.