"ليس على الطائر أن يكون طائرة".. رسالة مفتوحة من وائل السمري إلى وزير الثقافة

وجه الكاتب الصحفي وائل السمري، رسالة مفتوحة إلى الدكتور أحمد فؤاد هنو وزير الثقافة، بعنوان “ليس على الطائر أن يكون طائرة” حملت العديد من الرسائل.
وقال السمري، عبر صفحته على “فيسبوك”، :"حينما ترمي بذرة في الأرض ربما لا تعي البذرة ماذا حدث، ولا تعي الأرض، لكن البذرة إن وجدت ظروفا مناسبة نمت وأثمرت، وإن لم تجد ماتت دون ضجيج، وكذلك البشر يا معالي الوزير"
وأضاف:"يموت الفن بداخلنا إن لم نجد له متسعا. يموت الحلم في وجداننا إن لم نغلق عليه العيون. يموت الوعي في داخلنا إن لم يجد بيتًا يحميه. لا فرق إن كان اسم هذا البيت بيت ثقافة أطفيح أو بيت ثقافة شبين الكوم".
فكرة الاستغناء عن بيوت الثقافة وقصورها
وتابع:"والآن يا سيادة الوزير لعلك ترى كيف كيف حزن الجميع من فكرة الاستغناء عن بيوت الثقافة وقصورها، ولأني أعرف أن الأمر عاد مرة أخرى إلى اللجان واللجان الموازية أخاطب فيكم الإنسان والفنان، وأرجو أن يتسع صدركم لما أقول، وأن تستجيب لفتح حوار مجتمعي حقيقي لا يبتغى إلا الله والوطن".
ووجه السمري حديث للوزير، قائلا:"أتذكر فيما أتذكر أني كنت طفلا مثل أطفال بيت ثقافة بور فؤاد تماما، وكنت أريد أن أعرف، ولم يكن في محيطنا الجغرافي مكتبة ولا قصر ثقافة، لم يكن من شيء سوى عربة من عربات المكتبات المتنقلة التي تأتي كل شهر، ليجلس فيها موظف مهموم، وحينما كنا نجلس في العربة لنقرأ كان الحر يخنقنا في هذه العلبة الصحفيح، وحينما كنا نريد استعارة كتاب كان يمنحنا الموظف استمارة برسوم شهرية لا نستطيع سدادها، مشترطا توقيعها من أثنين من الموظفين الذين لا نستطيع إيجادهم، فكنا نودع العربة كقبر متحرك، وفي كل شهر تأتي العربة فنذهب لنتحصل على استمارة جديدة على أمل أن نجد للاستعارة سبيلا مستحيلا، لكن الاستمارة كانت تمنحنا بعض الأمل حتى الشهر التالي".

وأشار إلى أن “الكتب بالنسبة لنا فاكهة محرمة، وأتذكر فيما أتذكر يوم اكتشف أحد أصدقائي مكتبة الزيتون العامة، فكنا نمشي إليها قرابة نصف الساعة تحت الشمس وبجوار العربات متخذين من شريط المترو دليلا حتى ميدان ابن الحكم ثم ننعطف يمينا، وكان في هذه المكتبة التي كنا نصل إليها على جوعى وعطشى جنتنا المشتهاة برغم أنها لا تزيد كثيرا عن الـ 60 متر”.
وتابع: “قد يكون كلامي هذا غير مفهوم لكم، لكنه مفهوم لنا.. فهذه البيوت والمكتبات على صغرها كبيرة بما تحمله.. أنت لا تريد هذه البيوت الصغيرة التي لا تصلح لتكون خلفية مبهرة لصورة مبهرجة في الافتتاحات الرسمية أو الزيارات الدورية، لكننا نريدها”.
وأكد السمري في رسالته:"ليس على الطائر أن يكون طائرة. يكفيه جناحان ضعيفان ليمتلك السماء والأرض.. عربة القطار الـVIP تصل، وعربة “القشاش” تصل، وقد تُفاجأ يا سيادة الوزير إذا عرفت أن للوصول بعد العناء حلاوة حُرم منها المُتنعِّمون.. بيوت الثقافة هذه، على تواضعها، جميلة، لكنكم لا ترون هذا الجمال.. يكفي أن بها كتبًا وأرففًا، يكفي أن بها طاولة وسجادة، ويكفي أننا نقابل بها أناسًا يشبهوننا".
وأكمل السمري:"يا معالي الوزير، الطفل الذي يهوى الرسم بالفرشاة يتوه في الشوارع المزدحمة مبتورة الرؤية، والطفل الذي وقع في غواية الكلمة تفزعه صرخات البائعين ونداءات عامل الميكروباص، والطفل الذي يهوى التمثيل تفزعه مساحيق البهلوانات في الطرقات والمحلات، فاتركوا لنا أناسًا يشبهوننا واتركوا لنا مساحة آمنة أثاثها الفن والعلم والإلهام قبل أن نتحول جميعًا إلى مسوخ".
تعجبنا بترابها وغبارها وزجاجها الكالح
وتابع :"نعم، قد لا تليق هذه البيوت بكم، لكنها تليق بنا، فاتركوها لنا.. دع الملك للمالك أرجوك، فهي تعجبنا برائحة العرق المعتق فيها، وهي تعجبنا بترابها وغبارها وزجاجها الكالح، وهي تعجبنا بموظفيها الطيبين المهمومين.. نحن ورودها البلدي، وهذه حديقتنا، وتلك حكمة هذه البلد يا صاحب المعالي".
وأوضح:"تختبرنا مصر في كل ثانية، لكننا نتحمل ونصل. تقطع علينا الظروف الصعبة كل طريق، لكننا نتحمل ونصل.نتعثر كثيرًا فنتعلم التوازن، يطول الطريق فتقوى أرجلنا، تتعدد المهالك فتنمو المهارات، ونتحمل ونصل.. جرّب أن تشم وردًا بلديًا لتعرف أن تلك الرائحة الفريدة التي يتميز بها هي رائحة الوصول بعد المعاناة، أولادنا هذه الورود، ونحن أبناء زهرة اللوتس التي لم يتخذها المصري القديم رمزا له عبثا، فقد اختارها لأنها تنمو في المستنقعات بعد رحلة طويلة من العناء والصبر والتحمل والجلد، لكنها حينما تنمو تصبح أيقونة في صفائها وبهائها وتناسق شكلها.
واختتم السمري رسالته:"سيادة الوزير.. قد لا تفعل قصور الثقافة شيئا مهما بالنسبة لكم ، لكنها تفعل الكثير بالنسبة لنا، والكثير، هذا يُسمى الأمل. فاتركوه لنا.. اتركوها لنا".