"المياه تسرق الأغطية والبرد يأخذ الأرواح".. مطر غزة يغرق أحلام الأطفال ومأساة النازحين تتفاقم

"غرقنا"، بهذه الكلمة اختصرت أم محمد وادي مأساة آلاف النازحين في قطاع غزة، في خيمة مهترئة وسط دير البلح، تحاول هذه الأم بصوت مبحوح أن تروي واقعًا يكاد ينطق من قسوته: “الخيمة التي أعيش فيها مع بناتي السبع غرقت تمامًا، الملابس، الأغطية، وحتى فراشهن، كل شيء أصبح مبللاً، ولا أجد قطعة قماش جافة أدفئهن بها، البرد أصابنا جميعاً بالإنفلونزا الحادة”.

أمطار تُغرق البراءة

على بعد كيلومترات شمالاً، داخل مخيم اليرموك، تستيقظ الطفلة بسمة محمد، ذات الاثني عشر عاماً، لتجد فراشها قد غمرته مياه الأمطار، تقف وسط الطوفان، مرتجفة وملابسها مبللة، وتهمس بصوت خافت: “كل شيء غرق أشعر بالبرد الشديد، أريد خيمة لا تغرق، أريد أن أنام دون أن أشعر بالخوف من المطر”.

الكارثة بالأرقام

في الساعات الماضية، أطلق الدفاع المدني في غزة تحذيرات جديدة، موضحًا أن المنخفض الجوي الذي ضرب القطاع أدى إلى غمر أكثر من 1500 خيمة بمياه تجاوز منسوبها 30 سنتيمترًا في بعض المناطق، الخسائر لم تقتصر على الممتلكات، بل امتدت إلى الأجساد التي أصابها البرد بارتعاش حاد ونزلات مرضية خطيرة.

عائلات تدفن أحلامها مع أطفالها

 تتجلى المأساة في المستشفيات، بأوضح صورها، حيثُ أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية عن وفاة سبعة أشخاص بسبب البرد، بينهم ستة أطفال حديثي الولادة، من بين هؤلاء، الرضيع جمعة البطران، الذي لم يتجاوز الأربعين يومًا من عمره.

يقول والده يحيى البطران في لقاء مع (BBC)، وهو يكافح دموعه: “خسرته بسبب البرد، لا أريد أن أخسر أخاه التوأم، لكنه الآن في العناية المركزة، أختهم الصغيرة أيضًا ترقد في المستشفى بسبب التهابات حادة، ناشدت الجميع للمساعدة، لكن لا أحد استجاب، هل سأفقدهم جميعاً أمام عيني؟”.

الأونروا تحذر: المساعدات تتضاءل

أوضاع النازحين زادت تعقيدًا مع إعلان وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) عن نقص حاد في الإمدادات الشتوية.

وقالت المتحدثة باسم الأونروا، إيناس حمدان: “لم نتمكن من توزيع مساعدات شتوية كافية منذ أكثر من شهر، القيود المفروضة على دخول المساعدات إلى غزة جعلت الوضع أكثر سوءًا”.

واقع يفوق الاحتمال

بحسب المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، يعيش أكثر من مليوني نازح في ظروف إنسانية صعبة منذ أكتوبر 2023، من بين هؤلاء، يقيم حوالي 135 ألف نازح في خيام مهترئة، غمر المطر ما يزيد عن 110 آلاف منها، تاركًا سكانها بلا حماية أو دفء.