وداعًا لخادمة القرآن.. الشيخة توحيد عثمان قصة حياة أضاءت الظلام
في قرية الشرقاية الصغيرة بمركز كفر صقر بمحافظة الشرقية، كانت حياة الشيخة توحيدة عثمان تتسم بالهدوء والبساطة، لكنها حملت في طياتها رسالة عظيمة خلدت اسمها بين أهل قريتها ومحافظة الشرقية بأسرها، ولدت الشيخة توحيدة عام 1954 في أسرة متواضعة، لتبدأ رحلتها مع القرآن الكريم في سن مبكر.
خادمة القرآن
أتمت توحيدة حفظ القرآن الكريم وهي ابنة تسع سنوات فقط، على يد الشيخة زينب أحمد بركات، التي رأت فيها موهبة فريدة وعزيمة نادرة.
لم تكن الطفلة الصغيرة تدرك أن هذا الإنجاز المبكر سيحدد مسار حياتها بأكملها، حيث اختارت أن تجعل القرآن الكريم رفيق رحلتها الوحيد، متخلية عن كل الأحلام الأخرى التي قد تراود فتاة في عمرها.
بيت من أجل كتاب الله
عملت توحيدة محفظة للقرآن الكريم في معهد الشرقاية الأزهري بكفر صقر، لكن شغفها بتعليم القرآن لم يتوقف عند هذا الحد، وحولت منزلها المتواضع إلى "كُتّاب" صغير، يستقبل الأطفال والشباب من كل مكان لتحفيظهم كتاب الله. لم يكن هذا مجرد عمل بالنسبة لها، بل حياة كاملة كرّستها دون انقطاع، حيث رفضت الزواج وقالت: "وهبت نفسي لخدمة كتاب الله".
كانت حياتها اليومية تتسم بنظام صارم يعكس إخلاصها. تبدأ يومها مع الفجر، لتجلس بين التلاميذ حتى الساعة العاشرة مساءً، تستمع إلى تسميعهم وتحفّظهم القرآن، ورغم ساعات العمل الطويلة، كانت تقول بتواضع: "هذا على قدر طاقتي، وأستغفر الله عز وجل على التقصير تجاه القرآن الكريم".
إرث ممتد
تخرج من "الكُتّاب" الذي أسسته الشيخة توحيدة مئات التلاميذ الذين أصبحوا فيما بعد أطباء ومهندسين ومعلمين وقضاة، لينشروا علمهم في مختلف المجالات، ورغم بساطة المكان، كانت كلمتها وسيرتها تغرس في نفوس طلابها حب القرآن والسعي لحفظه.
في السادس عشر من جمادى الآخرة 1446 هـ الموافق 17 ديسمبر 2024، أسلمت الشيخة توحيدة روحها إلى بارئها، تاركة خلفها إرثًا لا يُنسى من المحبة والاحترام، ونعتها مديرية أوقاف الشرقية عبر بيان جاء فيه: "وهبت الفقيدة نفسها لخدمة كتاب الله عز وجل، وكانت نموذجًا فريدًا في العطاء والإخلاص".
وداع يحمل بصماتها
شيّع أهل قريتها جنازتها بحب ودموع، وكل من عرفها استرجع ذكريات تعلمه على يديها، وفي قلوبهم بقيت الشيخة توحيدة مثالًا للتفاني والإخلاص في سبيل القرآن الكريم، وكان رحيلها نهاية لحياة مليئة بالعطاء، لكنها بداية لذكرى خالدة ستعيش بين أهل قريتها ومحبيها لأجيال قادمة.