الدكتور زياد محمود يكتب.. لعنة الخواجة مزيج سحري بين الحقيقة والخيال

نتحدث كثيرا عن عقدة الخواجة ونعبر بها عن شعورنا بالنقص والدونية أمام أصحاب جنسيات العالم الأول كأوروبا وأمريكا, فماذا يحذث عندما تلتقى بأحد أصحاب هذه الجنسيات وتكتشف أنه صاحب فضل على جزء عزيز جدا من تراثك وتاريخك؟

رحلة الكاتب وائل السمرى في "لعنة الخواجة"

يأخذنا الكاتب وائل السمرى فى روايته "لعنة الخواجة" فى رحلة ملحمية تروى لنا قصة المهندس المصري اليوناني صاحب فكرة إنشاء السد العالى بالتوازى مع قصة الصحفى ناصر الحسيني مكتشف الوثائق التاريخية للمهندس دانينوس, وتطوف بنا الرواية فى عالم ساحر بين الحقيقة والخيال لتلقى الضوء على ذلك الرجل مجهول الشخصية عظيم التأثير, والرواية مستلهمة من أحداث حقيقية ومدعمة بالمستندات التى يدهشك كيف ظلت خافية كل تلك السنوات؟ وخاصة حين تعلم بوجود شخصيات شهيرة تعاملت مع ذلك المهندس مثل الرئيس جمال عبد الناصر بل وذكره الرئيس السادات عرضا فى كتابه الشهير "البحث عن الذات" وتظهر شخصيات تاريخية شهيرة أخرى مثل مارييت وماسبيرو.

التداخل بين الحاضر والماضي في الرواية

يدخلك الكاتب إلى عالم غريب يختلط به الحاضر بالماضى وتذوب الفواصل الزمنية والحياتية التى تمزج عالمين متوازيين بين الحاضر الذى يمثله الصحفى ناصر بطل الرواية وبين الماضى الذى يمثله دانينوس المهندس العبقرى صاحب فكرة انشاء السد.
يخوض بنا الكاتب غمار هذين العالمين بحبكة دقيقة متوازنة شديدة البراعة حتى أنها تنسيك فى أى عالم أنت؟ ليختلط عالم الصحفى الحديث الذى يزخر بتفاصيل عمله وأزماته النفسية والعملية وعلاقته بزوجته وبناته بعالم المهندس القديم الذى يمتلىء بتفاصيل تاريخية واجتماعية شديدة الدقة فائقة الجمال في آن واحد ليذوب العالمان بكل تفاصيلهما الساحرة فتارة تتوحد بكل مشاعرك مع الصحفى ناصر وعالمه شديد التعقيد وتارة أخرى أنت مع دانينوس فى عالم ماقبل وما بعد ثورة يوليو ومحاولة إقناع القائمين على الحكم بتنفيذ مشروع السد وكيف عانى هذا المهندس العبقرى لتنفيذ فكرته حبا فى مصر لتجد نفسك فى عالم مختلط من السحر والمتعة حتى لتشعر بعد انتهائك من قراءة الرواية بحسد بالغ تجاه من لم يقرأها لأنه سيظفر بكل هذه المتعة عند قراءتها.

معاناة البطليْن وأثرها في الأدب العالمي

تستدعى معاناة بطلى الرواية ناصر ودانينوس إلى الذهن معاناة شخوص كبرى روايات الأدب العالمى كمعاناة أوديسيوس فى رحلة عودته الشهيرة فى الأوديسا وهى واحدة من أشهر الملاحم فى تاريخ الأدب فمثلما خاض أوديسيوس الأهوال فى سبيل عودته إلى وطنه بعد حرب طروادة خاض البطلان ناصر ودانينوس أهوالا ليصل كلا منهما لمبتغاه وقد حاكها الكاتب فى تحكم رائع بعنصر الزمن وهو واحد من أهم عناصر كتابة الرواية كما حافظ الكاتب على التوازن فى أجزاء الرواية فالمقدمة الشائقة تسلمك إلى مختلف التفاصيل والعوالم وشخوص عالمى ناصر ودانينوس فى بساطة معقدة دونما خلل فى إيقاع وسرعة الأحداث.

المذهل حقا هو أن هذه الرواية التى تحاكي في ملحمتها الكثير من الروايات العالمية هى الرواية الأولى للكاتب وهو مايثير دهشة القارىء الذى قد يظن أنه يقرأ ويعيش كل هذه التفاصيل المبهجة والموجعة.

رد الجميل للرجل المظلوم في تاريخنا

وعبر هذا العمل الأدبى المحكم استطاع الكاتب أن يرد الجميل لذلك الرجل الذى تدين له بالفضل أجيال متعاقبة من المصريين الذين لم يعرفوه ولم يقدروه حق قدره ولم يعربوا له عن امتنانهم العميق ازاء حبه العميق لمصر, ذلك الحب الذى قاسى من أجله كى يمنحنا شيئا عزيزا خالدا فى تاريخنا, ففى هذه الرواية نوع من العرفان ورد الحق لأصحابه فذلك الخواجة العبقرى المظلوم يستحق منا تعويضا يحمل الاحتفاء والتقدير وتلك الرواية الماتعة هى خير احتفاء وخير تقدير.