رئيس التحرير
محمود سعد الدين
NationalPostAuthority
الرئيسية حالا القائمة البحث
banquemisr

ماذا لو نزلت الرسالة على سيدنا محمد فى مصر؟.. عمر طاهر يتخيل

ارشيفية
ارشيفية

أعاد الكاتب والروائي عمر طاهر، نشر جزءاً مقتبسًا من كتابه أثر النبي، عبر حسابه بـ فيسبوك، مجيبًا فيه على تساؤل شغل باله كثيرًا، وهو ماذا لو الدعوة هبطت على سيدنا النبى فى مصر؟ .

وجاء اقتباس طاهر عبر حسابه الرسمي بـ فيسبوك، بمناسبة ذكرى المولد النبوي الشريف، الذي يصادف يوم 12 ربيع الأول، وجاء كالتالي:

كثيرا ما يسأل الواحد نفسه كيف كانت الأمور ستسير لو أن الدعوة هبطت على سيدنا النبى فى مصر؟ نسيت السؤال لفترة ثم تذكرته من جديد إثر رواية إحدى قريباتى العائدة من عمرة لقصة السيدة المصرية التى كانت تزور قبر النبى، وأطالت الوقوف إلى جوار مقامه فى تبتّل وخشوع أزعج حارسات المقام، فأبعدنها بقدر من الخشونة التى لا تشبه المكان أبدا، فما كان من السيدة المصرية إلا أن نظرت باتجاه قبر سيدنا النبى قائلة «إنت إيه اللى جابك عند الناس دى.. إنت لو كنت عندنا كنا شلناك إنت وضيوفك فى عنينا من جوه».

هذه السيدة التى قد ترى أنها تجاوزت حدود الأدب هى محبة بالفطرة لسيدنا النبى مثل عامة المصريين، هى التى تهدهد حفيدتها على أنغام «ميتى أشوفك يا نبى.. ياللى بلادك بعيدة» فتضع فى لا وعى حفيدتها أول حجر فى بناء المحبة لسيدنا النبى، وتحصنها بـ«اسم النبى حارسها»، هى التى تستقبل ضيفها الغالى بابتسامة بشوش «إحنا زارنا النبى»، وفى نفس الوقت تعاتب على قلة الكرم وسوء الاستقبال بـ«ده النبى فرش عبايته لنسيبه»، وهى التى تفض مشاجرات تكبر أو تصغر بجملة سحرية «صلوا على النبى يا جماعة».

أثر النبي: قصص قصيرة من وحي السيرة (Arabic Edition) - Kindle edition by عمر  طاهر. Literature & Fiction Kindle eBooks @ Amazon.com.

هناك نكتة لم أكن أحب أن أستخدمها -لأن الحديث ليس موضعا للنكات- لكنها تلخص أمورا كثيرة، تقول إنه فى خطبة الجمعة وقف الخطيب على المنبر يقول «خد بالك من جيل هذه الأيام، فإذا قالت لك ابنتك إنها رايحة الدرس فلا تصدقها، فهى ذاهبة للقاء الحبييييييييب» فقال المصلون خلفه «عليه الصلاة والسلام»، هذه النكتة تكشف لنا من جانب حال كثيرين يجلسون فى خطبة الجمعة أذهانهم مشغولة بأمور أخرى غير الخطبة، لكن من جانب آخر تشرح كيف أن الانتباه كله يحدث إذا ما مرَّ اسم سيدنا النبى بكل تجلياته «طه وأحمد والحبيب».. حالة يقع فيها الانتباه لا إراديا، لأنه فعلا الحبيب بالفطرة فى قلوب المصريين، ويعملون ألف خاطر لاسمه ويتجاوزون فى ذلك حدود المقبول أحيانا بحكم «الأفورة»، فيسمون «عبد النبى»، ويتغزلون بـ«يا جمال النبى»، ويقسمون بـ«وحياة من نبّا النبى»، أى من جعله نبيًّا «من الممكن أن يقسموا بالله مباشرة لكنهم يعرّجون على الحبيب فى الطريق».


«النبى وصى على سابع جار».. تمام، ويفكون تكشيرة عالم الدين بـ«النبى تبسم يا مولانا».. تمام جدا، ويطلبون من كل شخص أن يعامل نبيه بالطريقة نفسها «وكل من له نبى يصلى عليه».. عين العقل، لكن كاد صديقى يجن عندما قالت له والدته البسيطة فى طفولته «سيدنا النبى قال ماحدش يشرب من الإزازة» عندما ضبطته يفعل ذلك أمام الثلاجة، فانصرف يبرطم، بعد سنوات كان صديقى يضرب كفا بكف وهو يقرأ فى كتب الأحاديث، قال أبو هريرة رضى الله عنه «نهى الرسول صلى الله عليه وسلم أن يُشرب من فى السقاء أو القربة» -متفق عليه- أى نهى عن الشرب من حافة الإناء حفاظا على نظافة وعاء شرب جماعى «يعنى ماحدش يشرب من الإزازة». هذه السيدة البسيطة ربما استمعت إلى المعلومة فى إذاعة القرآن الكريم، وعندما حان وقت تنفيذها لم تخاطب ابنها بلغة التربية والعيب والصحة والمنظر العام و«اللى يصح واللى مايصحش» لكنها خاطبته بلغة قانون المحبين «سيدنا النبى قال».


ينتظر المصريون كل مناسبة تخص سيدنا النبى ليحتفلوا بها، حتى يوم مولده الذى حرم بعض المتشددين الاحتفال به، لم تلقَ دعوتهم أى قبول لدى أى شخص تجرى فى دمائه جينات مصرية، ربما لو كان النبى أقام بدعوته فى مصر لأصبحت السنة كلها احتفالات، كنا سنحتفل بذكرى كل التفَاتَةٍ من حضرته، وكل مكان زاره، وكل يوم نزلت فيه آية، وكل زيجة له، كنا سنقدس كل شارع مرّ به، وكل إناء أكل فيه، وكل بقعة من النيل مدّ سيدنا النبى يده فيها ليشرب منها.


عقب حادث قطار البدرشين وقف أحد الجنود الناجين أمام الكاميرا يشكو سوء الوضع داخل القطار أصلا، وفى نهاية كلامه قال «مش معاملة دى إحنا صعايدة ونعرفوا الرسول». وقبل أن يتوقف الدورى ذهبت إلى الاستاد فى عز الفوضى، حيث لم تكن هناك تذاكر دخول، مجرد موظف أمن على البوابة قلت له «صحافة» فدخلت، ثم سأل آخر كان قريبا منى «وانت تبع إيه»، فقال له «أنا تبع سيدنا النبى» فقال الموظف «عليه الصلاة والسلام اتفضل». وكنت أجلس مع فنان معروف فى سيارته بينما أم كلثوم تغنى «ولما أشوف حد يحبك يحلالى أجيب سيرتك وياه»، فتنهد قائلا «عليه الصلاة والسلام»، ثم نظر لى قائلا «أحلى سيرة فى الدنيا».


كنت أتمنى أن أولد على التراب الذى حطّ عليه سيدنا النبى بقدمه الشريف، لكن لله حكمة فى ذلك، فنشأة الدعوة فى محيط الكفار قساة القلب شدّ أزر الدعوة وجعلها تشب صلبة وعفية، وهذا ما كان ليتحقق لو كانت الدعوة قد شبت فى محيط المحبين.. المجاذيب.


نفعنا الله بحبنا لسيدنا النبى وآل بيته، وليغفر لنا عفويتنا التى تجعلنا بحسن نية قد نتجاوز حدود اللياقة أحيانا من فرط المحبة، لدرجة أننا أحيانا نتجرأ فنوسط النبى بطفولة شديدة فى أصغر الأشياء.. اللى يحب النبى يصقف.

          
تم نسخ الرابط