بين "إعراب الكلمات" و"لغة الطيور".. حكاية "الأستاذ أحمد صدقي": معلم لغة عربية صباحاً وأشهر "إمبراطور حمام" في ديروط بعد الظهر!

في قلب صعيد مصر، وتحديداً من نزلة عبد اللاه بمركز ديروط بمحافظة أسيوط، لا تقتصر مهارة الأستاذ أحمد صدقي على شرح قواعد "النحو والصرف" لطلابه في الفصول الدراسية؛ بل تمتد يداه لتبني "مملكة خاصة" فوق سطح منزله، حيث يمارس هواية تحولت بمرور السنين إلى احتراف وتجارة، جامعاً بين دقة المعلم وخبرة المربي المحترف في عالم "تربية الحمام".
ومن بين أقفاصه المنظمة بعناية، يفتح "صدقي" خزائن أسراره لموقع "بصراحة الإخباري"، مقدماً روشتة نجاح للمبتدئين، وكاشفاً عن أنواع نادرة تصل أسعارها إلى أرقام فلكية، ومصححاً لمفاهيم مغلوطة يتداولها الهواة.
البداية من "البلدي".. والاحتراف عبر “السوشيال ميديا”
عن بدايته في هذا العالم، يروي أحمد صدقي أن عشقه للطيور بدأ منذ نعومة أظافره، لكنه ينصح أي مبتدئ يرغب في اقتحام هذا المجال بقاعدة ذهبية: "ابدأ بالحمام البلدي". ويوضح أن البلدي هو مدرسة التعليم الأولى، حيث يكتسب المربي خبرة التعامل مع الكلفة (الطعام)، والأمراض، وطرق العلاج، قبل أن يغامر بالأموال في الأنواع الأجنبية والمستوردة.
ولم يقف طموح "مدرس اللغة العربية" عند حدود التربية التقليدية؛ فمنذ ما يقارب 5 إلى 7 سنوات، لاحظ وجود مجموعات (Groups) لتربية الحمام في القاهرة والمنيا، فقرر تدشين أول تجمع إلكتروني لأبناء مدينته تحت اسم "حمام ديروط".
وبلغة الواثق يقول: "بدأنا بنشر النصائح والعلاجات بالأعشاب الطبيعية، ومع توسع الجروب ووصول عدد أعضائه لأكثر من 6000 عضو من كافة الأعمار والفئات -بينهم أطباء ومهندسون وسيدات- تحول الأمر من مجرد هواية إلى سوق تجاري لتبادل وبيع الأنواع المميزة".
"اللاحم الفرنسي".. ماكينة إنتاج اللحوم
وفي جولة داخل "الغية"، استعرض صدقي أنواعاً مميزة، وعلى رأسها "اللاحم الفرنسي"، الذي وصفه بأنه أفضل أنواع الحمام الموجودة حالياً في السوق. وأوضح أن هذا النوع انتجته الشركات الفرنسية خصيصاً ليكون "غزيراً في الإنتاج واللحم".
وحول الجدل المثار بشأن ألوان "جفن" الحمام اللاحم، حسم المربي الخلاف قائلاً: "سواء كان الجفن أبيض، أحمر، أو وردي، فكله واحد. الجفن الأحمر غالباً ما يكون نتاج تعرض الطائر لأشعة الشمس المباشرة، وليس دليلاً على عدم نقاء السلالة كما يشاع". وتتراوح أسعار "الجوز الشغال" من هذا النوع ما بين 500 إلى 600 جنيه، بينما الزغاليل تسجل حوالي 300 جنيه.
كما استعرض نوعاً نادراً يسمى "اللاحم السيلفر" (Silver)، وهو شبيه بالأبيض الفرنسي لكنه بلون فضي وحجم أضخم، ويعد أقل انتشاراً وأكثر طلباً.
"الزاجل".. الطائر الذي يمتلك خريطة في رأسه
وعند حديثه عن الحمام "الزاجل" أو ما يطلق عليه "الجمعيات"، لمعت عينا "صدقي" وهو يمسك بطائر ذو مواصفات قياسية، مشيراً إلى أن هذا النوع هو "سيد السباقات".
يقول صدقي: "الزاجل لديه خريطة ربانية في رأسه. لو أطلقته من أي مكان، حتى لو من محافظة أخرى، سيعود لموطنه الذي ولد فيه. وتدخل هذه الطيور في سباقات لمسافات قصيرة (أقل من 500 كم) وطويلة تتعدى 1000 كم".
وتختلف أسعار الزاجل بشكل جنوني؛ فبينما تباع الأنواع الشعبية (بدون شهادات) بأسعار تتراوح بين 300 و 400 جنيه، قد يصل سعر الفرد الواحد من السلالات ذات الأصول والشهادات الموثقة (Pedigree) إلى 30000 جنيه مصري، حيث يكون لكل طائر "شهادة ميلاد" توضح سلالة أبيه وأمه والسباقات التي خاضها.
عمالقة الزينة.. من "الروماني" لـ “الكينج”
لم تخلُ أقفاص "صدقي" من عمالقة الحمام، حيث استعرض الحمام "الروماني" الذي يتميز بطوله الفارع وحجمه الضخم، والحمام "الكينج" (King) المعروف بجسمه الممتلئ وشكله الدائري، بالإضافة إلى الحمام "الكريزلي" الذي يشبه الزاجل ولكنه يختلف في شكل المنقار ويستخدم كـ "أمهات بديلة" (حضانات) لتميزه في تأكيل الزغاليل ببراعة.
روشتة "صدقي" لحماية القطيع من الموت
وحذر ابن ديروط من "القاتل الصامت" للحمام، وهو تيارات الهواء الباردة. وشدد على ضرورة إغلاق النوافذ البحرية (الشمالية) تماماً في فصل الشتاء، لأن تعرض الحمام لتيار هواء بارد يؤدي فوراً لإصابته بـ "الروشة" (Newcastle) أو السالمونيلا، مما يجعله "يكش" ويمتنع عن الأكل حتى الموت.
وينصح صدقي المربين قائلاً: "عينك ميزانك. يجب عزل أي طائر تظهر عليه علامات الخمول أو تغير في شكل الفضلات (الزرق) فوراً خارج الغية لمنع انتقال العدوى، خاصة أن أمراض الحمام سريعة الانتشار".
نظام "أوتوماتيكي" للتغذية والشراب
في خطوة تعكس احترافيته، استغنى أحمد صدقي عن الطرق التقليدية المتعبة في السقاية؛ حيث صمم نظام ري "أوتوماتيكي" يعتمد على خزان (جردل) متصل بخراطيم توزع المياه النظيفة على الأقفاص، مما يمنع انتقال العدوى عن طريق الشرب المشترك، ويوفر الوقت والجهد، حيث لا تستغرق عملية خدمة الطيور معه سوى 10 دقائق.
أما عن "الكلفة" (الطعام)، فيؤكد أنها تختلف بين الصيف والشتاء. ففي الشتاء، يجب زيادة نسبة البروتين (مثل الفول والعدس) لتدفئة الطائر، بينما تتكون الخلطة المتوازنة عموماً من: (الذرة العويجة، الذرة الصفراء والبيضاء، البسلة، الشعير، والأرز)، بالإضافة إلى "أعلاف مخصصة" لزيادة الإنتاج والتسمين.
كيف تعرف عمر الحمامة؟
واختتم "صدقي" حديثه بمعلومة حصرية لجمهور "بصراحة"، موضحاً كيفية معرفة عمر الحمام وموعد بلوغه. يقول: "الحمامة عندما تفطم (بعد 40 يوماً تقريباً) تبدأ في تغيير ريشها. كل 15 يوماً تسقط ريشة من أصل 10 ريشات أساسية في الجناح. عندما تسقط الريشة الأخيرة (الصمة)، فهذا يعني أن الطائر أصبح بالغاً وجاهزاً للتزاوج والإنتاج"، مشيراً إلى أن دورة إنتاج الزغاليل للذبح تستغرق من 20 إلى 25 يوماً فقط، حيث يكون اللحم في أشهى حالاته قبل ظهور الريش القاسي.


جوجل نيوز
واتس اب