محمد الدسوقي رشدي يكتب: "خيبتها في نخبتها".. لعبة الانتخابات تكشف شلة تزييف الوعي في دمياط !
تقول التجربة أن المجتمعات الصغيرة تختلف خصائصها ، فهى مثلا تميل إلى الهمس عن التصريح، تميل إلى قول الحقائق فى الجلسات الخاصة وتنطق بعكسها فى العلن.. تميل إلى المجاملات تارة، وإلى الصمت تارة أخرى.
لا يفعلون ذلك عن جبن – حاشا لله- ولكنها طبائع الأمور فى مثل هذه الحالات، الكل يعرف بعضه حيث تتقاطع طرق الصداقات والتربيطات والمصالح فتزيد الرغبة فى الهروب من المشاكل التى تصنعها المواجهات والصراحة والشفافية.
ذاك هو الجانب النظرى، وإن أردت له تطبيقا عمليا فيمكنك أن تنظر إلى بورسعيد أو الإسماعيلية أو دمياط على سبيل المثال، محافظات صغيرة المساحة، عظيمة التاريخ والأثر، تتميز عن غيرها بخصائص فريدة وموارد عظيمة ، ولكن كل هذا يضيع رويدا رويدا تحت وطأة مش عاوزين نزعل بعض، وشنا فى وش بعض ، فنقول الحقائق همسا.
خلال معايشة علي أرض الواقع أثناء فترة الانتخابات إنتهيت إلى أن دمياط تحتاج إلى موجة جديدة، مثل "موج" الشتاء القوى فى رأس البر، يأتى فجأة فينظف الشواطئ من رواسب تراكمت عليه بفعل الزمن أو الناس.
دمياط تحتاج هذه الموجة كي تمنحها وجوها جديدة فى الحياة السياسية والعمل العام ، قادرة على تشكيل نخبة حقيقية، تقود بشجاعة وتطرح الحقائق بدلا من دفن الرؤوس فى الرمال، والعيش على مسكنات قديمة من نوعية:" دمياط كانت، وكنا وكان الزمان".

ونظل نضع ذات الصور لعمالقة شرفوا تاريخ هذه المحافظة فى الحياة السياسية والبرلمانية، دون أن ننتبه إلى أن الصور أغلبها بالأبيض والأسود، ودون أن نفكر ولو للحظة أن هذه النماذج العظيمة التى استطاعت أن تضع اسم دمياط على خريطة الحياة السياسية فى مصر لو كانت بيننا الأن لإعتزلت الدنيا قهرا وغضبا من حال دمياط وأجوائها السياسية والإنتخابية.
فى السنوات الأخيرة اعتدت تكرار عبارة :" خيبتها فى نخبتها" وأنا أتحدث عن حال مصر.. ردود الفعل على تلك العبارة رغم قسوتها كانت دائما ايجابية، والجدل يدور على أحقية مصر فى نخبة حقيقية تليق بها وبتاريخها وبحجم التحديات، وهذا ماقاله رئيس الجمهورية وهو يتحدث عن الجمهورية الجديدة.
الأن أتخيل، فقط مجرد تخيل ماذا لو استخدمت تلك العبارة فى وصف حال دمياط وقلت : "خيبتها فى نخبته"؟!، هل تخيلت معى كيف سيكون رد الفعل ؟!.
حسنا.. لا داعى للتخيل، سوف أخبرك ماذا سيحدث، سيأمر المنتفعين من بقاء الحال كما هو عليه، أياديهم بأن تتحرك وتعيد كتابة بوستات وكلمات وتعليقات من نوعية : ياللهول كيف يتجرأ على إهانة دمياط ؟.
هكذا سيتم تحويل دفة الحديث من الكلام عن قلة تدعى أنها النخبة أو المفترض أن تكون كذلك، وتعميم الكلام وقطعه من سياقه أو "لى عنقه"، حتى أبدو الشرير الذى يهين دمياط وتاريخها ؟.
فعلها عضو مجلس الشيوخ وأطلق ناسه - مشيها ناسه- ليستغل اللقطة، وفعلها همسا كاتبا - مشيها كاتبا - أغلقت الصحافة بابها في وجهه معزولا ، لم يسمحوا له حتي بخروج مشرف علي شكل استقالة فجاءت الخاتمة طردا ، وسوف نأتي لقصته فيما بعد .
ربما يخرج نائب الشيوخ وليد التمامي - الشهير فى دمياط فقط - ويخطب خطبة عصماء بطريقة اللمز والغمز لا التصريح، كما فعل قبل شهر من الأن من متحدثا عن الماضى ورموزه، بينما يهتف له الحضور دون أن يسأله أحد وماذا عن الحاضر والمستقبل؟، وماذا فى مضابط مجلس الشيوخ قلته ياسيادة النائب وليد التمامى فأثار انتباه مصر ومسؤوليها ؟!، وكيف بعد مرور كل هذه السنوات لم نرى أثر وجوده البرلمانى فى حل مشاكل دمياط الرئيسية؟!
لا أتحدث هنا عن خدمات وأعمال خيرية، فتلك أمور تخصه وجزاه الله عنها كل الخير، أنا أتحدث عن أثر رجل السياسية والعمل الحزبى والبرلمانى، لا أثر رجل الأعمال الذى يخدم محيطه الإجتماعى، فهذا أمر عادى بل وواجب طبقا لما تقرره معايير المسؤولية الإجتماعية لرجال الأعمال فى العالم كله.

وإن شئت الدقة ياعزيزى المواطن الدمياطى أنا أتحدث عن خطبة النائب وليد العصماء عن رموز دمياط التاريخين وتأثيرهم فى الحياة السياسية المصرية، وأسأل ضميرك: هل نملك مثلهم اليوم ؟.
بوضوح أكثر حينما نفتح الكتب أو الصحف أو فيديوهات الأرشيف القديمة فى المحطات التلفزيونية نجد حوارات وأفلام وثائيقة وتصريحات وحكايات عن أثر الدكتور رفعت المحجوب، ومعارك ضياء الدين داوود والدكتور حلمى الحديدى، وفضل محمد حسن الزيات و حسب الله الكفراوى على الحياة العامة فى مصر.
الأن لو فتشنا مضابط البرلمان وفتشنا فى طيات الصحف والمواقع والمحطات التلفزيونية فلن نجد ذلك الأثر لنواب دمياط فى الحاضر – اللهم إلا من رحم ربى – لن تجد مقالا يتحدث عن نائب الشيوخ بأنه قد اشتبك فى قضية كبرى ، أو خاض معركة تشريعية مهمة، أو فعل شيئا مهما استدعى أن تناقشه وسائل الإعلام، أو يشير نحوه أهل الإعلام قائلين : انظروا هذا نائب قادم من دمياط يفرض شخصيته ورؤيته ويقدم نموذجا سياسيا ملهما.
لم يحدث ذلك للأسف فى السنوات العشرين الأخيرة ، إلا عن طريق شخصين.
الأول النائب ضياء الدين داوود الذى يراه الجميع فى مصر نائبا قادرا على تقديم أداء مغاير تحت القبة، بينما فى الإنتخابات الأخيرة تعرض لهجوم بشع من أهل دمياط أنفسهم على طريقة ده بتاع كلام وبس – مسدس صوت – بمعنى أدق النائب الوحيد الذى جعل لدمياط صوتا مسموعا فى مصر تحت القبة، يهاجم فى دمياط ويتم التقليل من دوره وإهانة مايفعله .

الثانى النائب السابق والمرشح الحالى أبو المعاطى مصطفى صاحب واقعة السيد الرئيس الشهيرة، ففى لحظة توهان أو سرحان أو عدم تقدير من شخص المفترض أنه رجل سياسة ، قطع أبو المعاطى كلام السيد الرئيس بكلام تبدو فيه رائحة الرغبة فى الحصول على "شو" فما كان من السيد الرئيس إلا أن قال عبارته الشهيرة : إنت دارس الكلام اللى بتقوله ده "، فتحولت الواقعة إلى مشهد إعلامى وسأل الناس من هذا؟ ثم تفاجئ الجميع بأنه نائب، ثم تفاجئ الجميع بأنه من دمياط، وأحال الأمر كله إلى سخرية مازال يتم استخدامها فى الكوميكس والصفحات الساخرة والضحية كانت صورة دمياط.

بخلاف ذلك، لن تجد لأحد من نواب دمياط فى الدورة البرلمانية الأخيرة سواء شيوخ أو نواب، ذكرا أو أثرا فى الحياة السياسية المصرية، فلماذا تملك بعض المحافظات نوابا وقد أصبحوا نجوما فى الحياة السياسية، ولا تملك دمياط كما كان تاريخها نوابا قادرون على ترك هذا الأثر؟.
حتي من يحاول أن يجد لنفسه موضع قدم بين شلل المؤثرين في دمياط ، مستغلا صفته الصحفية السابقة ، لا يتورع أبدا أن يكتب الكثير والكثير من الكلمات في مدح كل المرشحين ومناصرة كل المرشحين وكأنه مزاد، مضيفا علي ذلك الكثير والكثير من الكلمات التي ترسخ لأفكار رجعية مدمرة للأجواء الإنتخابية مثل النائب الخدمي والنائب ابن عائلة فلان وقرية فلان ، يفعل مجدي سبلة ذلك في دمياط متحديا تصريحات السيد رئيس الجمهورية الذي تحدث من خلالها مشددا علي ضرورة رفع وعي الناخب والإبتعاد عن الأفكار القديمة وتعريفه بأن المرشح الذي يختاره لابد أن يكون صاحب علم وصاحب وعي وثقافة وقادرا علي قراءة التحديات التي تمر بها مصر .
منتهي الدهشة أن تجد رجلا المفترض أنه يمتلك خلفية صحفية ، يكتب في الصباح مشيدا بتصريحات السيد رئيس الجمهورية ، ثم يعود ليكتب في المساء كثير من الكلمات التي تحمل أفكارًا تناقض تصريحات السيد الرئيس وتكرس لزمن انتخابي لم تربح منه مصر بل ربح منه من حملوا لقب نواب مصر .

يكتب مجدي سبلة في الصباح مشيدا بتوجهات السيد الرئيس عن وعي النواب ودراستهم للأحوال ، ثم يعود في المساء ليكتب مديحا وكلمات دعم للنائب الوحيد الذي صارحه الرئيس قائلا : إنا دارس الكلام ده ؟! ليبدو الأمر وكأن الأستاذ مجدي يغازل الجميع ويمدح الجميع علي حساب الصالح العام الدمياطي .
إسأل نفسك وحاول أن تمنح ضميرك فرصة للإجابة، لأن إجابتها ببساطة: دمياط تحتاج إلى نخبة جديدة، تفرز وجوها قوية قادرة على تمثيلها سياسيا وحزبيا.
هل وصلت الرسالة، أتمنى، لأن هذا حديث وقائع، لا غرض منه ولا فيه مرض، فقط محاولة للمواجهة والمصارحة والمكاشفة من أجل الحاضر والمستقبل، محاولة لضبط المفاهيم والمصطلحات التى تاهت فى زحمة الهتافات والمصالح، محاولة للإجابة على سؤال مهم.
هل يجوز لمن يدعون أنهم نخبة أن تكون كلماتهم منحسرة فى ربط العملية الإنتخابية ببلدان وقرى وعائلات، حتى ولو كان هذا هو الواقع القائم ، أليس دور النخبة هو تغيير الواقع المستند إلى أفكار لا تليق أبدا بالجمهورية الجديدة التى ينادى بها رئيس الجمهورية؟.
هل يجوز لمن يدعون أنهم نخبة فى دمياط أن تكون رؤيتهم – إن كان لديهم رؤية أصلا – هو تسكين ألم المواطن الدمياطى بالحديث عن الماضى، والإدعاء بأنهم يفهمون طبيعة الناخب فى دمياط وينتقصون من قدر الدمياطة بالقول همسا بأنهم لا يبحثون إلا عن شوية خدمات وتليفون مفتوح، يالله نقدمها فى الموسم الإنتخابى؟!.
أليس من واجب النخبة – إن كانوا نخبة أصلا- دراسة المشاكل وحلها وتغيير الواقع، ودراسة مايحتاجه أهل دمياط فعلا، وأتكلم بيقين هنا وأقول أهل دمياط أرقى وأكثر علما ووعيا وفهما مما تدعون عليهم بأنهم يبحثون عن الخدمات وفقط، هذا أمر تكرسون له أنتم حتى تجعلوا منه واقعا تجعلون منه سلما تصعدون عليه نحو كرسى البرلمان سواء شيوخ أو نواب.


جوجل نيوز
واتس اب