لتلطيف الأجواء.. البيت الأبيض يشهد لقاء تاريخي بين ترامب وممداني

شهد البيت الأبيض الجمعة، لقاءً تاريخيًا جمع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مع عمدة نيويورك المنتخب زهران ممداني، في محاولة لطي صفحة شهور من التراشق الإعلامي والمواجهات السياسية الحادة بين الرجلين، وأبدى ترامب تفاؤلًا غير متوقع بقدرات خصمه السياسي، معربًا أمام الصحفيين عن ثقته الكبيرة بأن ممداني "سيفاجئ بعض المحافظين" بأدائه كعمدة لأكبر مدن أمريكا. 

تكيف حذر من الطرفين  

كشفت صحيفة وول ستريت جورنال أن اللقاء الذي جرى في المكتب البيضاوي شهد تحولًا ملحوظًا في خطاب الطرفين، حيث تجنبا توجيه انتقادات مباشرة لبعضهما أمام عدسات كاميرات التلفزيون.

وقف ممداني إلى جانب مكتب الرئيس معربًا عن تقديره للوقت الذي أمضاه معه، فيما أظهر ترامب روحًا من الدعابة عندما سُئل عن وصف ممداني السابق له بالطاغية، قائلًا بابتسامة: "لقد نُعتُّ بأسوأ من ذلك بكثير، لذا فالأمر ليس مسيئًا إلى هذا الحد".

وفي لحظة لافتة، قاطع ترامب صحفيًا كان يحاول سؤال ممداني عما إذا كان يعتبر الرئيس فاشيًا، وقال وهو يربت على ذراع العمدة المنتخب بلطف: "لا بأس، يمكنك أن تقول نعم ببساطة، هذا أسهل من محاولة تفسير الأمر، لا أمانع في ذلك".

وأضاف ترامب لاحقًا أنه يشعر بالراحة للعيش في نيويورك، خاصة بعد هذا اللقاء، في إشارة إلى تحسن نظرته للمدينة تحت قيادة ممداني المقبلة. 

اهتمام استثنائي باللقاء  

وفقًا للصحيفة الأمريكية، حظي اللقاء باهتمام استثنائي داخل أروقة الإدارة الأمريكية، حيث وقف عدد كبير من موظفي البيت الأبيض أعلى سلالم مبنى أيزنهاور التنفيذي لمشاهدة وصول ممداني، بينما تجمع عشرات الصحفيين خارج الجناح الغربي لتغطية الحدث.

وكان ترامب قد سعى لتهدئة الأجواء قبيل اللقاء، مصرحًا لإذاعة فوكس نيوز بأنه يتوقع أن تكون المحادثة "مهذبة تمامًا".

وكشفت مصادر مطلعة أن ممداني اتصل بزعيم الأقلية الديمقراطية في مجلس الشيوخ تشاك شومر طلبًا للمشورة قبل ذهابه للبيت الأبيض.

كما أجرى العمدة المنتخب اتصالًا عبر تطبيق زوم استمر 45 دقيقة مع روبرت وولف، الرئيس السابق لـ UBS الأمريكية ومستشاره غير الرسمي، للاستعداد جيدًا لهذا اللقاء الحساس.

وأشار وولف إلى أن أحد محاور النقاش كان اتفاق الرجلين على أن ازدهار اقتصاد نيويورك يعني تعزيز الاقتصاد الأمريكي بأكمله. 

نقطة التقاء تجمع الفرقاء   

أوضحت وول ستريت جورنال أن ممداني هو من طلب اللقاء بهدف مناقشة أزمة تكلفة المعيشة المرتفعة في نيويورك، مؤكدًا أن أنصاره وناخبي ترامب يتشاركون القلق من هذه المشكلة.

وقال ممداني قبيل اللقاء: "من مسؤوليتي ألا أترك أي فرصة دون استغلالها لجعل المدينة أكثر ملاءمة من حيث التكاليف".

وأضاف يوم الخميس أنه لا يشعر بالقلق من اللقاء، بل يراه "فرصة لتقديم قضيتي"، نافيًا التكهنات بأن ترامب قد يسعى لإحراجه.

وأشارت الصحيفة إلى أن بعض المشرعين الجمهوريين والاستراتيجيين السياسيين شجعوا ترامب على التركيز على قضية ارتفاع تكاليف المعيشة، محذرين من احتمال تكبد الحزب الجمهوري خسائر فادحة في انتخابات التجديد النصفي العام المقبل إذا شعر الناخبون أن الرئيس لا يأخذ مخاوفهم من الأسعار على محمل الجد.

لكن ترامب أبدى انزعاجًا من هذه الفكرة، مشيرًا إلى جهوده لجذب الاستثمارات الأجنبية.

وطلب نائب الرئيس جي دي فانس خلال فعالية لموقع بريتبارت نيوز يوم الخميس الصبر على الإدارة في معالجة الوضع الاقتصادي، قائلًا: "نحن نسمعكم ونفهمكم، وندرك أن هناك الكثير من العمل المطلوب إنجازه، ورغم التقدم الذي أحرزناه، فالأمر سيستغرق بعض الوقت حتى يشعر الأمريكيون بذلك". 

عداء واضح بين الطرفين  

رصدت وول ستريت جورنال كيف كان الرجلان على طرفي نقيض طوال الحملة الانتخابية لمنصب العمدة، إذ إن ممداني، البالغ من العمر 34 عامًا، والذي يعرّف نفسه كاشتراكي ديمقراطي، صعد من مجهول إلى شهرة واسعة خلال العام الماضي برسالته التي ركزت على تحسين القدرة على تحمل التكاليف وفرض ضرائب على الأثرياء.

ووصفه ترامب خلال الحملة بأنه شيوعي ومعادٍ للسامية، وهدد بحجب التمويل الفيدرالي ونشر قوات الحرس الوطني في نيويورك لو فاز بالمنصب، ودعم منافسه الرئيسي الحاكم السابق أندرو كومو، الديمقراطي المعتدل.

من جهته، لم يكن ممداني أقل حدة، حيث وصف ترامب بالطاغية وتعمد استفزازه علنًا، إذ في خطاب ليلة فوزه الانتخابي مطلع نوفمبر، قال ممداني: "دونالد ترامب، بما أنني أعلم أنك تشاهد، لدي كلمات لك: ارفع مستوى الصوت".

كما صرح خلال إحدى مناظرات الحملة: "أنا أسوأ كابوس لدونالد ترامب كمسلم مهاجر تقدمي يناضل فعليًا من أجل ما يؤمن به".

لكن نبرة ممداني تغيرت بشكل ملحوظ بعد فوزه الانتخابي، حيث أظهر استعداده للعمل مع المسؤولين المنتخبين من الحزبين.

ترامب يخشى الأزمات الاقتصادية 

أعرب ترامب عن مخاوفه من تأثير سياسات ممداني على الاقتصاد المحلي والأمن العام، وهي مخاوف يشاركها قطاع من مجتمع الأعمال في المدينة، إذ إن ممداني يريد تجميد الإيجارات، وتوسيع نطاق رعاية الأطفال المجانية، وإنشاء خدمة حافلات مجانية، مع زيادة الضرائب على الشركات وأثرياء المدينة.

وذكرت وول ستريت جورنال أن بعض أنصار ممداني كانوا يخشون أن يستغل ترامب اللقاء لإذلال العمدة المنتخب، كما فعل مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي خلال زيارته للمكتب البيضاوي في وقت سابق من هذا العام، حيث وبّخه ترامب ونائبه فانس بشدة أمام الكاميرات المباشرة. لكن هذا السيناريو لم يتكرر، وبدا اللقاء أكثر ودية مما كان متوقعًا.