حلقة نقاشية بمركز «رع» للدراسات عن الدور المصري في تسويات ما بعد حرب غزة «صور»
عقد مركز رع للدراسات الاستراتيجية حلقة نقاشية، أمس،حول "الدور المصري في تسويات ما بعد حرب غزة 2021: الفرص والتحديات”، بمشاركة عدد من الخبراء والباحثين المهتمين بالِشأن الإسرائيلي والفلسطيني، كما شارك فيها باحثي وخبراء مركز رع،بمقر المركز،بحضورمجدي الشريف المدير الشرفي لمركز رع، وأبو الفضل الإسناوي المشرف العام على المركز والمستشار الأكاديمي.
وتضمنت الندوةأربعة أوراق عمل،حيث قدم الدكتور سعيد عكاشة ( الخبير في الِشأن الإسرائيلي) الرؤية الإسرائيلية للتسويات القادمة، كما قدم الدكتور أسامه شعث (استاذ العلاقات الدولية ) الرؤية الفلسطينية والتحديات القادمة، بينما قدمت الدكتورة ياسمين العايدي ( المتخصصة في الشأن الفلسطيني ) الرؤية الإقليمية والدولية لتسويات ما بعد الحرب، وقدم الدكتور أكرم حسام ( نائب مدير مركز رع ) ورقة عن الفرص والتحديات للدور المصري في الملف الفلسطيني.
وقالمجدي الشريفالمدير الشرفي لمركز رع،إنه هذه الندوات تمثل أهمية كبرى، لماتقدمه من رؤى وتحليلات ووتوقعات مستقبلية، مؤكداً أن العمل البحثي الجاد، دائما ما يلقى صدى لدى صانع ومتخذ القرار في مصر.
وأكد الدكتور أبو الفضل الإسناوي، الذي أدار الحلقة النقاشية،أن هذه الحلقة النقاشية مهمة بسبب موضعها الذي يعتبر موضوع الساعة الآن، خاصة مع بدء وصول وفود الفصائل الفلسطينية إلى القاهرة، للتباحث في جهود لم الشمل وتوحيد الصف الفلسطيني، والاتفاق على قضايا ما بعد الحرب كإعادة الإعمار ومسار المفاوضات، كما تكتسب أهمية إضافية لكون مركز رع أول مركز دراسات مصري يعقد حلقة نقاشية حول هذا الموضوع الذي اعتبره الإسناوي على رأس أولويات القيادة المصرية.
من جانبه أكدالدكتور سعيد عكاشة، صعوبة فهم وتوقع السلوك الإسرائيلي في تسويات ما بعد الحرب الأخيرة، دون العودة لفهم التفاعلات الإسرائيلية الداخلية قبل الحرب، لافتا إلى أن الحكومة الإسرائيلية بقيادة نتياهو كانت في وضع أزمة داخلية (أربعة انتخابات خلال عامين فقط)، وأنها دفعت الأمور باتجاه التصعيد مع الفلسطينيين في القدس وغيرها لتخفيف الضغط عنها، على أمل أن تعيد ترتيب بعض الأوراق، لكن رهانات الحكومة كانت خاسرة، حيث لم يتوقع نتياهو انضمام حماس لهذه المواجهات التي جرت في حي الشيخ جراح، فخرج نتياهو من هذه المواجهة العسكرية ضعيفاً، دون تحقيق أهدافه السياسية.
وأضاف أن ذلكمهد الطريق أمام حكومة جديدة في طريقها للتشكيل بزعامة بينت ولبيد، قد تقود نتياهو للخروج خارج المشهد السياسي الإسرائيلي خلال الفترة القادمة. موضحاً أنه جرى تشكيل لجنة تقصي حقائق بخصوص الحرب الأخيرة على غزة، من جانب رئاسة الأركان الإسرائيلية، للوقوف على الدروس المستفادة من هذه المواجهات، وهو سلوك إسرائيلي متكرر مع كل المواجهات العسكرية التي دخلتها منذ 1973 وحتى الآن، وتوقع أن يتم إلقاء اللوم على جهاز الشاباك ، الذي وُجهت له انتقادات كثيرة بعدم قدرته على توفير معلومات كافية عن قدرات حماس الصاروخية وشبكة الإنفاق التي تملكها حماس تحت الأرض.
وأشار عكاشة إلى أن حركة حماس من جانبها قد استغلت أحداث حي الشيخ جراح للمزايدة على السلطة الفلسطينية في الضفة، ووجدت أن الوقت مناسب لتوجيه ضربة لموقف حركة فتح في الداخل الفلسطيني، خاصة بعد قرار محمود عباس تأجيل الانتخابات الفلسطينية. وأشار سعيد عكاشه إلى نقطة مهمة تتعلق بمسألة ما يتم الترويج له من جانب حركة حماس ومن جانب بعض وسائل الإعلام العربية بخصوص تغيير قواعد الاشتباك ومسألة فشل منظومة القبة الحديدية، مؤكداً أن إسرائيل تعمدت أن تصدر هذه الصورة للعالم، لكسب التعاطف الدولي في صفها، وهو ما نجح فيه نتياهو بالفعل، في تصوير أن إسرائيل كانت في حالة دفاع عن النفس، لكون حركة حماس هي من بدأت بإطلاق الصواريخ.
وحول التوقعات القادمة للموقف الإسرائيلي،يرى الدكتور سعيد عكاشه أن إسرائيل بالفعل ترى أن الخطر الأكبر عليها هو إطلاق عملية سلام جادة وحقيقية، خاصة في ظل تعاظم الدور المصري في الفترة الأخيرة، حيث تخشى إسرائيل أن تتعرض لضغط دولي من جانب الولايات المتحدة وضغط إقليمي يمكن أن تقوده مصر، باتجاه تجميد ووقف الحديث عن صفقة القرن، والاتجاه للتركيز على حل الدولتين.
وتوقع أن إسرائيل لن ترفض عملية السلام، لكنها قد تشارك فيها من أجل كسب الوقت فقط، مع العمل على تخريب هذه الجهود من خلال الرهان على الجانب الفلسطيني واستمرار الإنقسام وتنازع الأجندات،كما توقع أنه في حال خرج نتياهو من المشهد السياسي، ستكون هناك فرصة لتكوين حكومة يمينية أكثر تطرفاً، فكل الأحزاب اليمينية ضد فكرة حل الدولتين، كما توقع أن عمر الحكومة الجديدة بقيادة بينت ولبيد سيكون قصيراً نظراً لكونها تضم أطياف سياسية متعارضة أيدلوجيا وسياسياً، لكنها قد تكون مجتمعة في اللحظة الراهنة على فكرة ضرورة إسقاط نتياهو.
ونوه أننتياهو يتمتع بقدرات سياسية كبيرة ودهاء وخبرة في إدارة اللعبة السياسية الداخلية، وقد يحاول إفشال تشكيل الحكومة الجديدة ، وعندها سيكون هناك احتمال للذهاب لإنتخابات خامسة،وفيما يتعلق بموقف الحكومة الجديدة المزمع تشكيلها من عملية السلام أشار عكاشه إلى أن صفقة الإسرى قد تتعطل، وهو ما قد يؤثر على باقي الاستحقاقات الممهدة للدخول في مفاوضات سياسية.
من جانبه استعرض الدكتور أسامه شعث موقف الداخل الفلسطيني من التطورات الأخيرة في القدس وما تبعها من عدوان إسرائيلي على قطاع غزة، مؤكداً أن هذه التطورات وحدت الداخل الفلسطيني وخلقت روح جديدة بين كل مناطق فلسطين، واعتبر أن هذه النقطة قد تكون مهمة للخروج من حلقة الفراغ المتعلقة بالإنقسام الفلسطيني الداخلي، إذا خلصت نوايا كل الأطراف السياسية، وتم تنحية الأهداف والمشاريعالفصائلية جانباً.
وأشادشعث بموقف مصر المساند للقضية الفلسطينية منذ بداية الصراع العربي الإسرائيلي وحتى الآن، ووجه التحية للقيادة المصرية بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي على ما بذلته القاهرة من جهد لوقف الحرب علاوة على الاستمرار في محاولات توحيد الصف الفلسطيني، مشيراً إلى وجود مشاعر ايجابية للغاية تجاه مصر ودورها في الحرب الأخيرة داخل كافة مدن وقرى فلسطين، بما فيها قطاع غزة، واعتبر ذلك اعترافاً بما قدمته مصر دون من منها ، غهذا دور مصر المعروف، قلب الأمة العربية، والمدافع الأول عن قضاياها.
واعتبر شعث أن مصر تضطلع بأدوار مركبة في الملف الفسطيني على المستوى الأمني وعلى المستوى السياسي المتعلق بالتسوية والمفاوضات مع دولة الاحتلال، وكذلك على مستوى المصالحة ولم الشمل، وأكد أن مصر بالفعل شريك مع الفلسطينيين في كل ما واجهوه وما يواجهوه حتى الآن من صعوبات أو تحديات على كافة المستويات.
وأشار شعث أن الحكومة الجديدة المزمع تشكيلها في إسرائيل قد تنجح في مهامها في حال كانت هناك ضغوط حقيقية على إسرائيل واستشهد بوضع الداخل الإسرائيلي ( حكومة شامير) أثناء مفاوضات أوسلو 1993. مراهنا على الدور الذي تلعبه كتله عرب 1984 لصالح هذه الحكومة في ترجيح كفتها، وأكد وجود أصوات من داخل الحكومة الجديدة تتحدث عن ضرورة إطلاق عملية سلام مع الفلسطينيين، وان هناك حديث عن تشكيل فريق تفاوضي جديد بقيادة جانتس.
وقدم الدكتور أسامه شعث توصيات منها: ضرورة وجود ضمانات دولية وإقليمية وضمانات مصرية بالأساس بأـن جهود إعادة الأعمار لا يتم تخريبها مستقبلا في أي مواجهات قادمة أو محتملة، لما يمثله ذلك من ضياع لجهود سياسية وقدرات مالية كبيرة يتم بذلها لإزالة آثار العدوان الإسرائيلي المتكرر على الأراضي الفلسطينية.
كما أوصى كافة المجتمعين بالقاهرة من فصائل فلسطينية مختلفة بضرورة تجميد كافة نقاط التناقض الفلسطيني( شكل الدولة القادم/ شكل النظام السياسي/ هوية الدولة /...) والتركيز على الوحدة الوطنية وضرورة تشكيل حكومة طوارىء تجميد البرامج السياسية الخاصة بكل فصيل فلسطيني في الوقت الراهن، كما أوصى بأن تترك الفصائل الفلسطينية برامجها السياسية جانباً في هذه المرحلة، على أن يتم ذلك في مرحلة ما بعد تشكيل حكومة الوحدة الوطنية، ضمن مشروع حوار وطني موسع.
وعلى الجانب الآخر، أكدت الدكتورة ياسمين العايدي على أن حرب غزة الأخيرة وما سبقها من اعتداءات على الفلسطينيين في حي الشيخ جراح أكسبت القضية الفلسطينية زخماً جديداً على المستوى الرسمي لدى العواصم العالمية، كما كان لها صدى إيجابي على مستوى الرأى العام الدولي والرأى العام داخل بعض العواصم خاصة واشنطن وفي أوروبا، حيث نشرت كبريات الصحف العالمية تقارير مطولة عن الوضع الإنساني في الأراضي الفلسطينية المحتلة، مع التركيز على صور الأطفال الذين تم قتلهم بدم بارد من القوات الإسرائيلية.
واستعرضت ياسمين مسألة المقاومة الفلسطينية وما قامت به من تغيير لكثير من القواعد الخاصة بالاشتباك مع دولة الاحتلال على المستويين العسكري والسياسي، وعن نجاح ذلكفي إيصال رسائل سياسية كثيرة للداخل الإسرائيلي، بأنها لم يعد فيما بعد في مأمن حتى في ظل وجود منظومة القبة الحديدية الت تتفاخر بها إسرائيل، ودللت على ذلك بوصول الصواريخ التي أطلقتها حركة حماس لكثير من المواقع الإسرائيلية "غير الحساسة" وتوقف حركة الطيران في مطار بن جورين لمدة عشرة أيام، وتأثير المواجهات العسكرية رغم قصر مدتها مقارنة بالحروب السابقة على الاقتصاد الإسرائيلي.
وتوقعت أن الموقف الإقليمي والدولي مهيأ الآن للضغط على إسرائيل باتجاه إطلاق عملية سلام وفق حل الدولتين.
من جانبه أوضح دكتور أكرم حسام في بداية مداخلته أن دور مصر الإقليمي هو أحد الثوابت التي فرضتها معطيات جيواستراتيجية كثيرة، وأن هذا الدور قد يتعرض أحيانا للتعاظم، أو للتراجع ، ارتباطاً بسياقات وظروف الدولة المصرية نفسها، وسياقات الإقليم والعالم ( ساحة الحركة)، مؤكداً على أن دور مصر في القضية الفلسطينية منذ 1948 وحتى الآن لا يمكن تجاهله أو إنكاره ، حتى ولو كان في أدنى مستوياته، كما أكد أن حرب غزة الأخيرة لم تكن سبباً في تعاظم الدور الاقليمي لمصر، لكنها كانت كاشفة لمقدر وثقل وحجم تأثير هذا الدورعلى الاستقرار الإقليمي والدولي.
وأشار إلى أن الدور المصري في إنهاء حرب غزة الرابعة، جاء في سياقات استراتيجية مختلفة ( محلياً/ قليمياً / دولياً)،وهذا ما ساعد على تركيز الضوء على الدور المصري بهذه الكثافة.