هل الحزن اعتراض على قضاء الله؟.. 3 علامات تدل على الرضا
هل الحزن اعتراض على قضاء الله؟.. تعد مسألة الحزن وهل هو اعتراض على قضاء الله سبحانه وتعالى من الموضوعات التي تشغل العديد من الناس، خاصة أن الحياة الدنيا مليئة بالابتلاءات، مما يجعل الحزن أمرًا طبيعيًا لا يمكن تجنبه. وفي الوقت نفسه، يعد الاعتراض على قضاء الله من الأمور المحرمة التي يجب الابتعاد عنها. لذلك، يبقى التساؤل حول ما إذا كان الحزن يعد اعتراضًا على قضاء الله أم لا من الأسئلة التي تحتاج إلى إجابة دقيقة.
هل الحزن اعتراض على قضاء الله؟
أوضح الدكتور محمود الأبيدي، من علماء وزارة الأوقاف، أن هناك فرقًا واضحًا بين الحزن والتشاؤم. وأكد أن الحزن أمر طبيعي يشعر به الإنسان في حالات المصائب والصعوبات، في حين أن التشاؤم هو حالة من اليأس والتوقعات السلبية التي يجب تجنبها.
وفي رده على سؤال: "هل الحزن اعتراض على قضاء الله؟"، قال الأبيدي إن الإسلام لا يرفض الحزن الطبيعي الذي يشعر به الإنسان عند فقدان شخص عزيز أو في الأوقات الصعبة، ولكنه يحذر من التشاؤم الذي يسبب تأثيرًا سلبيًا على حياة الفرد.
وأشار إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم، رغم كونه أفضل البشر، شعر بالحزن العميق عند وفاة ابنه إبراهيم، حيث قال في هذا الموقف: "إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن، وإنا لفراقك يا إبراهيم لمحزونون". هذا الحزن كان طبيعيًا وعبر عن مشاعر إنسانية صادقة، ولكن لم يصاحبه تشاؤم أو اعتراض على قضاء الله، مما يوضح أن الحزن لا يعتبر اعتراضًا طالما أنه لا يقود إلى التشاؤم أو اليأس.
وأضاف الأبيدي أن الحزن يمثل مشاعر مؤقتة ناتجة عن الخسارة أو الفقد، بينما التشاؤم هو نظرة سلبية مستمرة للمستقبل. واستشهد بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: "تفائلوا بالخير تجدوه"، مما يعكس أن التشاؤم محرم في الإسلام، وأن المؤمن مطالب بالتفاؤل والتوكل على الله في كل الظروف.
علامات الرضا بقضاء الله
من جانبه، نبه الدكتور علي جمعة، مفتي الجمهورية الأسبق وعضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، إلى أن هناك مراحل متعددة يمكن أن يمر بها المؤمن في تعامله مع المصائب والأحزان، مما يدل على رضاه بقضاء الله.
المرحلة الأولى، كما أوضح، هي مرحلة التسليم لأمر الله، حيث يحزن المسلم ولكنه يمنع نفسه من الاعتراض على قضاء الله. في هذه المرحلة قد يبكي على فقدان عزيز مثل الابن، ولكن قلبه مطمئن إلى حكم الله.
المرحلة الثانية هي مرحلة السكون التام والابتسامة رغم وقوع المصيبة، حيث لا يشعر المؤمن بالحزن، ويكون على يقين تام بحكمة الله ولطفه، كما كان حال النبي صلى الله عليه وسلم عند وفاة ابنه إبراهيم.
المرحلة الثالثة هي مرحلة البكاء الذي لا ينبع من الحزن، وإنما من استحضار المؤمن لحكمة الله، حيث يكون البكاء استجابة لقضاء الله وليس نتيجة لمرارة الفقد. وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من أكابر الأولياء في هذا المقام، كما ورد في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم حين فقد ابنه: "إن لله ما أخذ وله ما أعطى، وكل شيء عنده بأجل مسمى، فلتصبر ولتحتسب".
تأملات في موقف النبي صلى الله عليه وسلم
وأشار الدكتور علي جمعة إلى أنه رغم أن النبي صلى الله عليه وسلم بكى عند وفاة ابنه، إلا أن بكاءه كان يعبّر عن رحمة الله التي وضعها في قلبه، وليس اعتراضًا على قضاء الله. كما ورد في حديث آخر عن النبي صلى الله عليه وسلم حين بكى عند وفاة ابنه إبراهيم: "هذه رحمة يجعلها الله في قلوب عباده، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء".
كلمة الشيخ أبو الحسن الشاذلي
وأخيرًا، نقل الشيخ أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه في سياق تفسيره لأسباب "القبض" (الحالة النفسية التي يعاني فيها المؤمن من الضيق أو الهم) ثلاث أسباب رئيسية: الذنب، وفقدان الدنيا، أو تعرض الشخص للظلم. وحث على الاستغفار في حالة الذنب، والرجوع إلى الله عند فقدان الدنيا، والصبر والاحتساب عند الظلم. وفي حال عدم معرفة سبب القبض، أوضح أن المؤمن يجب أن يسكن تحت جريان الأقدار، مؤكداً أن "القدر مثل سحابة ستمر".
الخلاصة
الحزن ليس اعتراضًا على قضاء الله، بل هو شعور إنساني طبيعي يعبر عن الفقد أو الخسارة. لكن الاعتراض على قضاء الله منهي عنه في الإسلام، ويجب على المسلم أن يتجنب التشاؤم ويراعي تسليم قلبه وحياته لإرادة الله، مع استحضار التفاؤل والرضا، حتى في أوقات الحزن والابتلاء.