«جامع البنات».. هنا تبحث الفتيات عن العريس المنتظر اقتناعا ببركة عذارى الأمير فخر الدين.. 7 لفات حول «الدكة المبروكة» ومرور فوق رؤوس المصلين لفك العقدة.. صور تكشف كواليس أشهر مسجد بالدرب الأحمر
لم يقتصر مسجد الأمير فخر الدين عبد الغنى، على الصلاة فقط، بل طالته يد الدجالين والخزعبلات، واستغلته بعض ناقصات العقل والدين، في أمور تتعلق بالقدرات الخارقة وإنقاذهم من العنوسة واللحاق بقطار الزواج.
«تعالوا نروح جامع البنات، يمكن نلاقي نصيبكم هناك وتتجوزوا»، جُملة رددتها أحد الأمهات لبناتها الثلاثة في محاولة منها لإنقاذهم من العنوسة بعدما تخطت أعمارهن سن الـ30 عامًا، وإقناعهن بزيارة المسجد من أجل أن تحل البركة عليهن، وتناسى الناس اسم المسجد الحقيقي والذي يُنسب للأمير فخر الدين عبد الغنى، والذي يعتبر أحد أقدم المساجد فى مصر.
المسجد عُرف بـ«جامع البنات» بعد تردد الفتيات عليه، حيث إن الأمير فخر الدين بناه سنة 821 هجريًا و1418 ميلاديًا، فى أيام السلطان المؤيد أبو النصر شيخ المحمودي الشركسي، ليكون مدرسة لتلقى دورس التصوف والفقه على المذهب الحنفى والمالكى والشافعى، والذي يقع في شارع بور سعيد بمنطقة باب الخلق التابع لقسم الدرب الأحمر، ويتبع منطقة آثار القاهرة.
ورغم مرور 600 سنة على الحكايات الغريبة التي تخص المسجد، إلا أنها لا تزال تسيطر على العديد من المؤمنين بقدرة المسجد على جلب العريس، وإنهاء شبح العنوسة.
سبب التسمية
أساطير وحكايات وخزعبلات، ظهرت حول المسجد وجميعها كان يتعلق بقدرات خارقة، أبرزها كشفها الرحالة عبد الغني النابلسي الذي زار القاهرة عام 1639.
وقال النابلسي: «أهل القاهرة يعرفون هذا المسجد بجامع البنات لأن البنت التي لم يتيسر لها الزواج تأتي المسجد يوم الجمعة أثناء الصلاة، وتجلس في مكان به، فإذا كان المصلون في السجدة الأولى من الركعة الأولى تمر الفتاة بسرعة بين الصفين وتذهب خارجة من المسجد.. وكان يعتقدون أنها بسرعان ما تتزوج وقد جربوا ذلك».
وهناك أسطورة أخرى، وردت في كتاب «عجائب الآثار في التراجم والأخبار»، لعبد الرحمن الجبرتي، تقول إن الأمير منشأ المسجد قام بدفن سبع بنات عذراوات في ركن من أركانه، وهن بناته وقام بدفنهن جميعا واحدة تلو الأخرى، واختلفت الأخبار حول سبب وفاتهم، إذ تقول أحدهم أن الفتيات ماتوا مصابين بمرض الطاعون، لذلك يسمى المسجد كذلك باسم «السبع بنات»
الإمام والنساء
كشف الشيخ حسن عبد المعبود، إمام وخطيب مسجد الأمير فخر الدين عبد الغنى السابق، أنه كان يفاجئ بانتشار السيدات حول المسجد وتزاحمهم كل يوم جمعة، على أمل أنه يشفى السيدات العاقر، ويزوج الفتيات، مؤكدًا أن ما ينشر عن المسجد مجرد خزعبلات، نافيا شرب السيدات المترددات على المسجد من البئر الموجود داخل المسجد، مشيرًا إلى أن مغلق ولا يستعمل منذ مئات السنوات.
ويحكي عبد المعبود، عن إحدى السيدات التي حضرت برفقة نجلتها، إلى المسجد ذات يوم، وصممت على زيارة البئر والحصول على مياه منه من أجل البركة وزواج ابنتها، ورغم تأكيده لها على أن البئر مغلق، ظلت السيدة لساعات تبكى ومتمسكة بالحصول على ماء البئر.
هيئة المسجد
يتكون المسجد من عدة أبواب، منها بابين أحدهما فى الواجهة الغربية على شارع بورسعيد، وتضم مئذنة الجامع وسبيل يعلوه كتاب، والمئذنة الحالية ليست هى المئذنة الأصلية للجامع، حيث أن المئذنة الحالية تم بنائها على يد والدة حسين بك نجل محمد على باشا سنة 1851 ميلاديًا، إلى جانب إعادة تشييد الواجهة الغربية المطلة حاليًا على شارع بورسعيد.
ويضم المسجد أيضا صحن مكشوف يحيط به 4 إيوانات أكبرها الإيوان الشرقى، وهو إيوان القبلة، ويضم الصحن 4 أبواب درفها مزخرفة بالنحاس يؤدى الباب الشمالى الشرقى إلى قبر الفخرى وابنه، بالإضافة إلى محراب يجاوره منبر مطعم بالعاج، وفى 1895، قامت لجنة الآثار العربية بإحلال وتجديد المسجد بعد تهالكه فى القرن التاسع عشر، أما فى سنة 1992 فتهالك مرة أخرى، واختلت جدرانه بعد وقوع زالزال القاهرة فى تلك السنة وإعادته ثانية هيئة الآثار المصرية، كما بُنى المسجد عبارة عن قسمين، الأول كُتاب ومدرسة لتعليم الأطفال أمور الدين، والثانى مسجد للصلاة.
الدكة المبروكة
«دكة المبلغ المبروكة» والتي يشبها البعض بالكعبة الشريفة، حيث إنها منصة موجودة فى المسجد مثل باقى المساجد، والذى يعتليها المؤذن لإقامة الصلوات والشعائر الدينية، وتأتي الفتيات والنساء إليها للطواف حولها 7 مرات ظنًا منهم أنها أحد المعجزات مثل المرور فوق رؤوس المصليين وبئر المياه، لتحقيق الزواج أو الإنجاب.
الجن والعنوسة
أعلنت دراسة أعدها المركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية، أن المصريين ينفقون 10 مليارات جنيه على أعمال السحر والخرافات و"فك السحر"، رغم الظروف الاقتصادية القاسية التى يمر بها المواطنين، وتدهور مستوى المعيشة وارتفاع معدلات التضخم وبقاء دخول نحو 50% من المواطنين تحت خط الفقر، فإنهم ما زالوا ينفقون مبالغ طائلة على أعمال السحر.
أظهرت مؤشرات إحصائية، صادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، حول نسب العنوسة في مصر، أن العنوسة هو تعبير عام يستخدم لوصف الأشخاص الذين تعدوا سن الزواج المتعارف عليه في كل بلد، وبعض الناس يظنون أن هذا المصطلح يطلق على الإناث فقط من دون الرجال، والصحيح أنه يطلق على الجنسين ولكن المتعارف عليه مؤخرا هو إطلاق اللفظ على النساء في الأغلب.
وتؤكد الدراسة، أنه يختلف هذا العمر من مكان لآخر، ففي حين ترى بعض المجتمعات البدوية وأهالي القرى أن كل فتاة تجاوز عمرها العشرين ولم تتزوج عانسا، تجد أن مجتمعات المدن تتجاوز ذلك إلى الثلاثين وما بعدها لمن تطلق عليها صفة العانس نظراً إلى أن الفتاة يجب أن تتم تعليمها قبل الارتباط والإنجاب.
ويتضح أن ظاهرة العنوسة في مصر أدت لزيادة بعض الظواهر غير المقبولة اجتماعيا ودينيا، مثل ظواهر الزواج السري والعرفي بين الشباب في الجامعات، والإصابة بأمراض نفسية، وبالنسبة للرجال فقد دفعت البعض للإقبال على إدمان المخدرات.
وأكد تقرير أعده الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء في عام 2017، أن نسبة العنوسة تنتشر بسرعة البرق فى مصر، حيث وصلت 13.5 مليون شخص ممن تجاوز أعمارهم 30 عامًا، حيث إنها ظاهرة ملموسة وتزداد تعقيدًا بين الشباب والفتيات، موضحا أن الحالة الاقتصادية سبب تأخر الزواج لدى المصريين، ولكن يعتقد البعض ان العنوسة سببها الدجل والشعوذة والأعمال السحرية وذلك مع تدنى مستوى المرتبات.
وأوضح التقرير، أن معدل العنوسة في مصر 17% من الفتيات اللاتي في عمر الزواج، ولكن هذه النسبة في تزايد مستمر، وتختلف من محافظة لأخرى، فالمحافظات الحدودية النسبة فيها 30%؛ نظرًا لعاداتها وتقاليدها، أما مجتمع الحضر فالنسبة فيه 38%، والوجه البحري 27.8%، كما أن نسبة العنوسة في الوجه القبلي هى الأقل، حيث تصل إلى 25%، ولكن المعدل يتزايد ويرتفع في الحضر.