رئيس التحرير
محمود سعد الدين
NationalPostAuthority
الرئيسية حالا القائمة البحث
banquemisr

دا حلم .. رسائل طمئنة وحاسمة من الرئيس السيسي بشأن صندوق هيئة قناة السويس: هدفه توفير السيولة اللازمة لمشروعات الهيئة.. ومراقب من أجهزة الدولة.. والصناديق دي كلها محدش يقدر يصرف جنيه إلا بالرجوع ليا

الرئيس السيسي
الرئيس السيسي

بأسلوبه المباشر المعتمد على القصص الواقعية، بدأ الرئيس عبد الفتاح السيسي خطابه باستحضار لحظة حوار جمعه برئيس هيئة قناة السويس الفريق أسامة ربيع، عام 2019، قائلًا: "بقوله قولي عندك أموال إيه؟ قالي أنا ماعنديش حاجة". ومن هذا المدخل البسيط لم يكن فقط لتلطيف الأجواء، بل لإرساء قاعدة من الفهم الشعبي للواقع المالي الذي كانت تعانيه الهيئة، مما دفع الرئيس للسؤال الصريح: “يعني أنت لما تيجي تعمل مشروع تطور بيه قناة السويس هتعمل إيه؟ قال هروح لوزارة المالية”، وهنا يؤسس الرئيس لروايته التي توضح أن الدولة لا تملك ترف التردد، بل تحتاج أدوات مالية جديدة تُجنّبها الضغط على الموازنة العامة.

إعادة قراءة التاريخ المالي: أين ذهبت أموال القناة؟

لم يتردد الرئيس في توجيه انتقاد واضح لإدارة موارد القناة على مدى عقود، مستعرضًا الرقم الضخم الذي حققته منذ عام 1975 قائلاً: "قناة السويس جابت 220 مليار دولار". ثم يطرح تساؤلًا استنكاريًا يكشف القصور السابق في إدارة العوائد: "لو حد كان شال 10 % من الرقم وحطه في صندوق، كان زمان بنتكلم معايا 50 مليار دولار". في هذا السياق، لا يتحدث الرئيس فقط عن أموال لم تُستثمر، بل عن فرص ضائعة لتطوير القناة ومدنها وخدماتها، حين قال: "يدخل يعمل خدمة مجتمعية متقدمة لمدن القناة.. ما فيش". هذه العبارات تحمل تحميلًا ضمنيًا للمسؤولية للنهج التقليدي الذي لم يصنع احتياطيات مستقبلية.

النموذج الناجح حاضر دائمًا: وزارة الإسكان كمثال تطبيقي

ومن باب البرهنة العملية على صحة ما يطرحه، يستحضر الرئيس تجربة وزارة الإسكان كدليل على نجاح فكرة "الأوعية المالية المستقلة"، مشيرًا إلى أن "وزارة الإسكان بقت بتشتغل بـ 8 مليارات جنيه في الشهر"، وهو رقم ضخم يعكس كيف يمكن للمؤسسات أن تخلق لنفسها قوة مالية مستقلة. ويربط هذا النموذج بالحاجة الوطنية لتوفير مليون وحدة سكنية سنويًا، قائلًا: "الوزارة تعمل 400 ألف، والقطاع الخاص يعمل شوية كمان". الرسالة هنا واضحة: ما نُفذ بنجاح في قطاع الإسكان يمكن تكراره في هيئة قناة السويس، إذا توافرت الإرادة والمرونة المؤسسية.

الصندوق ليس بلا رقابة.. تطمينات تشريعية ومؤسسية

في مواجهة الحملة الشعبية التي أثارت مخاوف من التفريط أو الغموض، قدم الرئيس تطمينًا صريحًا: "أمال الصندوق دخل البرلمان ليه؟ علشان يديله حصانة برلمانية ما حدش يقدر ياخد منه ولا يتصرف فيه". لم يكتفِ بهذا، بل أكد أن أجهزة الرقابة تتابع أعمال الصندوق، قائلاً: "وأجهزة الدولة الرقابية تفتش عليه، وجهة سيادية مسؤولة عليه برضه". وهنا يرسّخ الرئيس سردية مفادها أن الدولة ليست في طريقها لبيع القناة، بل لتأمين استثمارها وحمايتها ضمن منظومة قانونية ورقابية محكمة.

الدولة "غلبانة" ولكنها مصممة على الإنجاز

في لمحة وجدانية تكشف عن فلسفة الرئيس في التعامل مع الضغوط، قال ببساطة شديدة: "الدولة غلبانة قوي، أنا آسف إن أقول كده". هذه العبارة التي قد تبدو عاطفية، في حقيقتها جزء من خطاب تقشفي يستدعي التحمل الشعبي، وتبرير الصعوبات، مؤكدًا: "إذا ما كنّاش نحرم نفسنا ونعمل، مش هتتعمل". الرئيس هنا لا ينفي المعاناة، بل يعترف بها بصدق صادم، ويطلب من الناس أن يكونوا جزءًا من الحل، لا من جمهور المشاهدين.

الطرح في البورصة.. تمويل وطني لا تفريط سيادي

وحين تطرق الرئيس إلى نية الدولة طرح شركة تابعة للقناة في البورصة، أوضح أن هذا الطرح "للمصريين فقط"، ليغلق بذلك الباب أمام أي تأويلات تتعلق بالخصخصة أو تسليم القناة لأطراف أجنبية. ولم يكن الطرح هدفًا في حد ذاته، بل وسيلة لتوفير سيولة تُمكّن الهيئة من دخول مشروعات تنموية مربحة، قائلاً: "لو هيئة قناة السويس عاوزة تخش في مشاريع تمويل أرباحها 500 مليون في الشهر، ممكن السنة الجاية تعمل مليار". ما يطرحه الرئيس هنا هو اقتصاد قناة السويس 2.0 – قناة تدر دخلًا متصاعدًا، وتضخ استثمارات، لا مجرد ممر عبور.

أزمة ثقة.. والرئيس يرد بالحقائق لا بالتخوين

في ختام خطابه، اعترف الرئيس بوجود حالة قلق شعبية، لكنه رفض تخوين المواطنين، قائلاً: "مش هنقول إن كل من اتكلم إنه مغرض.. فيه ناس خايفة"، لكنه في الوقت نفسه شدد على ثقته في قدرات الدولة، مؤكدًا: "ومش مصدقين إن إحنا ممكن نعمل.. وإن شاء الله هنعمل وهنعمل".

خطاب الرئيس عبد الفتاح السيسي جاء محملًا برسائل مركبة: تهدئة، تبرير، تحفيز، وردود محسوبة. أبرز ما فيه هو الجمع بين السرد الشخصي الدافئ والمنطق الاستثماري الجاف، مع استدعاء قوي لفكرة أن حماية الأصول الوطنية لا تتعارض مع تعظيم استثمارها. نجح الخطاب في نزع فتيل الأزمة مؤقتًا، لكنه يترك أمام الدولة تحديًا أكبر: تحويل الوعود إلى نتائج ملموسة يشعر بها المواطن، ويثق معها بأن قناة السويس ستظل مصرية فعلًا، وإدارةً، واستثمارًا.

          
تم نسخ الرابط