ذكرى ميلاد وردة الجزائرية.. صوت الحنين والكرامة الذي لا يُنسى

تحل اليوم 22 يوليو، ذكرى ميلاد الفنانة الكبيرة وردة الجزائرية، إحدى أهم أيقونات الغناء العربي، فلم تكن وردة مجرد مطربة تؤدي الأغاني، بل كانت صوتًا استثنائيًا يحمل بين نبراته مزيجًا من الدفء والكرامة، ومن الحنين للوطن إلى الارتقاء بالوجدان العربي.
ولم تكتفي وردة الجزائرية بالغناء العاطفي فقط، بل كانت حاضرة دائمًا في المشهد الوطني والعروبي، غنّت لمصر بكل صدق وحب في “حلوة بلادي السمرا”، وشاركت في أوبريتات وطنية جمعت كبار المطربين، كما ارتبط صوتها بلحظات الانتصار والفرح القومي، ليُصبح صوتها رمزًا للكرامة الوطنية.
وكانت وردة مؤمنة بأن الفن لا ينفصل عن قضايا الأمة، لذا كانت تغني للجيش، للمحارب، للأم، وللوطن، بذات الصدق الذي غنت به للحبيب.
الاعتزال من أجل الحياة العائلية والعودة من أجل الوطن
وبعد زواجها من الضابط الجزائري جمال قصيري، قررت الفنانة وردة الجزائرية اعتزال الغناء والتفرغ لحياتها العائلية، لتغيب عن الساحة الفنية لعدة سنوات في صمتٍ اختياري، لكن الغياب لم يدم طويلًا، إذ جاءها نداء لا يُردّ من أعز ما تملك “لوطن”.
وفي عام 1972، طلب منها الرئيس الجزائري الراحل هواري بومدين المشاركة في احتفالات الذكرى العاشرة لاستقلال الجزائر، فلبّت الدعوة من القلب، وقدّمت واحدة من أصدق وأقوى أغانيها الوطنية “عدنا إليك يا جزائرنا الحبيبة”، الأغنية كتبها الشاعر صالح خرفي، ولحّنها الموسيقار بليغ حمدي، واعتُبرت نقطة التحوّل التي أعادت وردة إلى جمهورها العربي الكبير، وأطلقت مرحلة جديدة من مسيرتها الفنية، أكثر نضجًا وتألقًا.

عشق على أوتار الموسيقى.. وردة وبليغ
ولم تكن عودة وردة الفنية مجرد عودة صوت، بل كانت بداية لقصة حب فني وإنساني خالدة مع الملحن الكبير بليغ حمدي، تحوّلت إلى واحدة من أنجح الثنائيات في تاريخ الموسيقى العربية.
تزوجا وردة وبليغ في أوائل فترة السبعينيات، وخلّدا معًا عشرات الأغاني التي مزجت بين التمرد والعاطفة، وبين العمق الموسيقي والشجن الإنساني.
ومن أبرز الأغاني التي لحنها بليغ لوردة ما يأتي:-
-خليك هنا.
-حنين.
-العيون السود.
-بودّعك.
وكانت وردة تقول دائمًا إن بليغ هو الملحن الوحيد الذي يفهم مفاتيح صوتها، ويترجم أحاسيسها إلى لحن حيّ"، وهو ما يبدو جليًا في التوافق العجيب بين الكلمة، واللحن، والأداء.

ولم تكن عودة وردة من الاعتزال مجرد خبر فني، بل لحظة ولادة جديدة لصوتٍ لا يُشبه سواه، صوتٌ لبّى نداء الوطن، وتحوّل إلى وجدان عربي ناطق بالمشاعر، والحب، والانتماء.
رحيل وردة الجزائرية
ورغم رحيلها الجسدي في 17 مايو 2012، فإن وردة تركت إرثًا غنائيًا من أروع ما قدّمه الطرب العربي، ومن أشهر أغانيها التي لا تزال تُردد حتى اليوم، “في يوم وليلة”، “بتونس بيك”، “لولا الملامة”، “أكذب عليك”، “وحشتوني”، “حرّمت أحبك”، وغيرها من الأغاني.
كل أغنية من تلك الأعمال كانت حالة شعورية كاملة، تمزج بين اللحن الشرقي العذب، وصوت وردة الحنون الذي يطبطب على القلب ويستدعي الذكريات.

كانت وردة صوتًا جميلًا وشخصية قوية تُعبّر عن امرأة تعرف قيمتها ولا تتنازل عن كرامتها، غنّت الحُب، ولكن دون خضوع، بكت في أغانيها، لكن من موقع الكبرياء، وهذه التوليفة النادرة جعلتها قريبة من قلوب النساء والرجال على حدٍّ سواء.