بحضور نخبة سياسية.. إطلاق ومناقشة كتاب الوهم الأمريكي لـ جهاد الديناري

في أمسية فكرية حاشدة بقاعة الهناجر بدار الأوبرا المصرية، اجتمع نخبة من المفكرين والكتاب لمناقشة كتاب "الوهم الأمريكي: قراءة كاشفة مهداة إلى الجيل Z" للكاتبة جهاد الديناري، والصادر عن دار ريشة للنشر والتوزيع. شارك في الندوة كل من الأستاذة فريدة الشوباشي، والدكتور ثروت الخرباوي، والدكتور مصطفى رياض، والأستاذ حسين عثمان مدير دار النشر، وأدار الحوار ببراعة الدكتور حسين حسني.
مقدمة كاشفة: حين يلتهم الوهم الحلم
افتتح الدكتور حسين حسني الندوة، مشيرًا إلى أن كتاب جهاد الديناري يأتي في توقيت حاسم ليكشف كيف تحول "الحلم الأمريكي" الذي طالما تم الترويج له إلى "وهم أمريكي" مدمر. وأكد حسني أن أهمية الكتاب تتضاعف اليوم، في ظل سعي إدارة ترامب المحتملة لتحقيق هذا الحلم على أنقاض الهوية العربية، عبر المساندة المطلقة لإسرائيل في حربها على غزة، والتي تهدف إلى استبدالها بمشروع "ريفيرا البحر المتوسط". وبذلك، لم يعد الوهم الأمريكي مجرد فكرة بعيدة، بل أصبح يطال بشكل مباشر الإنسان العربي وهويته المرتبطة بأرضه، في وقت تسعى فيه قوى إقليمية ودولية لإعادة رسم خريطة الشرق الأوسط.

شهادة من أهلها: الأدب الأمريكي يفضح زيف الحلم
أوضحت الكاتبة الصحفية فريدة الشوباشي أن قيمة الكتاب الكبرى تنبع من منهجيته الذكية؛ فقد اعتمدت الديناري على شهادات أدباء أمريكيين مرموقين لتتبع فشل الحلم الأمريكي وتحوله إلى كابوس، وبذلك "شهد شاهد من أهلها". استعانت الكاتبة بأسماء كبرى مثل سكوت فيتزجيرالد في "غاتسبي العظيم"، وهاربر لي في "أن تقتل طائرًا بريئًا"، وجون شتاينبك في "عناقيد الغضب"، وآرثر ميللر في "موت بائع متجول"، وتوني كوشنر في "ملائكة في أمريكا". وبهذا، حافظت الديناري على الموضوعية في عرضها الذي يكشف بؤس الوهم الأمريكي وتأثيره المدمر على السياسة والاقتصاد والأدب.

من رحم الأكاديمية إلى وعي الشباب
من جانبه، أشاد الدكتور ثروت الخرباوي بالحضور الشبابي الكثيف الذي ملأ القاعة، معتبرًا أن هذا المشهد، إلى جانب كتاب الديناري، يمثل تعبيرًا حيًا عن "الحلم المصري" الذي يقف في مواجهة "الوهم الأمريكي". ووصف الخرباوي الولايات المتحدة بأنها ليست دولة بقدر ما هي "شركة مساهمة" تروج عبر إعلامها لحياة مادية بحتة قائمة على الاستهلاك.
وكشف الدكتور مصطفى رياض، أستاذ الكاتبة بقسم الدراما والنقد المسرحي، بكلية الآداب، جامعة عين شمس، عن الأصل الأكاديمي للكتاب، الذي بدأ كبحث متميز تقدمت به جهاد الديناري في مقرر بمرحلة الماجستير عن الكاتب المسرحي توني كوشنر. وأوضح رياض كيف كانت تلك "لبنة أولى أضافت إليها الكاتبة لبنات أخرى، لتشيد صرحًا راسخ الأركان يجمع ببراعة بين الدراسات الثقافية والتحليل السياسي والنقد الأدبي".

الناشر والكاتبة: استهداف جيل "Z" بوعي جديد
تحدث الأستاذ حسين عثمان، مدير دار ريشة، عن دور الدار في تأكيد الهوية المصرية وإحياء رموز الفكر والثقافة، مع التوجه نحو الشرائح الأعرض من القراء. وأكد حماسته لتقديم المؤلفين الشباب، مشيرًا إلى أهمية تحديد الجمهور المستهدف بدقة، والذي يتمثل في حالة هذا الكتاب في جيل "Z" (الشباب بين الثامنة عشرة والعقد الثالث من العمر).
وفي استجابة لسؤال من مدير الندوة، أوضحت الكاتبة جهاد الديناري أن دافعها الأساسي كان ملاحظتها لانبهار كثير من الشباب بما يُعلن عن الحلم الأمريكي، في حين أن دراستها المتعمقة في مجال الدراما والنقد كشفت لها أوجه القصور الحقيقية وتحول هذا الحلم إلى كابوس، وهو ما دفعها لتقديم مشروع الكتاب إلى الناشر.
جذور الوهم: الدين والقوة الغاشمة
غاص المشاركون في جذور السياسة الأمريكية، حيث أشار الدكتور الخرباوي إلى أن أمريكا تتبنى القوة الغاشمة لإشاعة الحروب لا السلام، مستشهدًا بكتاب "كلام في السياسة: الزمن الأمريكي من نيويورك إلى كابول" للكاتب الكبير محمد حسنين هيكل. وعاد الخرباوي إلى اللحظة التأسيسية للعنف الأمريكي، حين أطلق كولومبوس على السكان الأصليين اسم "الهنود الحمر" لجهله، وما تبع ذلك من إبادة ممنهجة استمرت كسياسة أمريكية لاقتلاع الشعوب من أراضيها، وقارن ذلك بالحضارة المصرية القديمة التي نشرت مفاهيم السلام والعدل.

من جهته، أشار الدكتور مصطفى رياض إلى الأصول الدينية للوهم الأمريكي، حيث نظر المهاجرون الأوائل لأنفسهم باعتبارهم "إسرائيل الجديدة" التي خرجت إلى "أرض الميعاد"، مما برر لهم إبادة السكان الأصليين على غرار ما ورد في سفر الخروج. وانتقل رياض إلى العصر الحديث، متحدثًا عن التواطؤ البريطاني-الأمريكي لدعم جماعات الإسلام السياسي، وعلى رأسها الإخوان المسلمون، بهدف ضرب الحركات الوطنية والتمهيد لتقسيم المنطقة، وهو الدور الذي ورثته أمريكا وما زالت تمارسه. وقد سجل مارك كرتيس هذه السياسات مدعمة بوثائق الخارجية البريطانية والفرنسية في كتابه "العلاقات السرية: التواطؤ البريطاني مع الإسلام الراديكالي" الذي ترجمه كمال السيد وصدر عن المركز القومي للترجمة بمصر. كما كشف عن خطة بريجنسكي وبرنارد لويس لتفتيت المنطقة العربية على أسس طائفية بعد حرب 1973.
أدوات الهيمنة: الإعلام والاقتصاد والإسلام السياسي
وصفت الأستاذة فريدة الشوباشي الآلة الإعلامية الأمريكية بأنها المسئول الأول عن صناعة الوهم، مستشهدة بوصف الفيلسوف روجيه جارودي لأمريكا بأنها "طليعة الانحطاط" في كتابه المعنون Les Etats-Unis, avant-garde de la decadence . وذكّرت بجرائم أمريكا ضد الإنسانية في هيروشيما وناجازاكي والعراق، وسياستها في تقسيم العالم العربي طائفيًا. ودعت إلى حملة توعية واسعة يخاطب فيها كتاب الديناري الشباب للتحذير من مخاطر الشرذمة.
وفي الشق الاقتصادي، كشفت جهاد الديناري عن "خدعة نيكسون الكبرى" حين رفع الغطاء الذهبي عن الدولار، واصفة إياها بأكبر عملية احتيال في تاريخ الاقتصاد العالمي.
وشرح الدكتور الخرباوي التناقض الظاهري بين شعار "أمريكا أولًا" ودعم الحركات الإسلامية، مؤكدًا أن أمريكا تستخدم الإسلام السياسي كأداة لخدمة مصالحها، كما فعلت في أفغانستان وإيران. وأشار إلى فضيحة "إيران-كونترا" كدليل على تمويل واشنطن طرفي الحرب العراقية-الإيرانية لإطالة أمدها. وأضافت الشوباشي أن أمريكا روجت لفخ "الدولة الدينية" لخداع الشباب المسلم وتعميق التوجه الطائفي لمواجهته بالتوجه اليهودي في إسرائيل.
خاتمة وأمل: نحو وعي جديد
في ختام الندوة، قدم الدكتور محمد الروبي، رئيس تحرير مجلة "مسرحنا"، كلمة مؤثرة أكد فيها أن الحل لمشكلة الوعي عند الشباب يكمن في تطبيق "نظرية الأواني المستطرقة". وشدد على أن الوعي يبدأ من التعليم والاهتمام بالطفل، الذي يجب أن يجد في مدرسته ملعبًا ومكتبة وقاعة موسيقى ومسرحًا، محذرًا في الوقت ذاته من خطورة ضرب الرموز الوطنية التي تشكل أساس الوعي الجمعي.
وهكذا، لم تكن الندوة مجرد احتفاء بكتاب جديد، بل كانت دعوة مفتوحة لمراجعة المسلمات وتفكيك الأوهام، وتأكيدًا أن الوعي والمعرفة هما السلاح الأقوى في مواجهة محاولات الهيمنة وتزييف التاريخ.