الدكتورة راندا رزق تكتب .. سواعد تبني وجمهورية تُنصف.. تحية لعمال مصر

ليس مجرد يوم في التقويم، بل مناسبة محفورة في وجدان وطن يعرف تمامًا من يصنع مجده، عيد العمال في مصر هو وقفة اعتزاز أمام سواعد لا تهدأ، وقلوب تنبض بالإخلاص، وعرق يُسقى به تراب الوطن كل يوم، في الأول من مايو، لا نكتفي بالتهنئة، بل نعيد التأكيد على أن العامل المصري ليس مجرد ترس في ماكينة التنمية، بل هو روحها ومحركها وأصل الحكاية.
على مدار السنوات الأخيرة، تغير المشهد. لم يعد العامل في الهامش، بل أصبح في صدارة المشهد التنموي، أدركت الدولة المصرية أن قوة البناء لا تكتمل إلا حين نحسن لمن يبنيه، فكان الاهتمام بالعامل المصري نهجًا لا شعارًا، تجسد في خطط مدروسة ومبادرات حقيقية، جعلت من "عيشة كريمة" وعدًا يتحقق، لا حلمًا مؤجلًا.
في قلب هذا التحول الكبير، جاءت مبادرة "حياة كريمة" لتكون نقطة ضوء في درب طالما انتظره عمال الريف والمناطق المهمشة لم تكن المبادرة مجرد مشروع تنموي، بل وعدًا صادقًا بحياة تليق بمن يكدّ ويتعب، بيوت تكتسي بالجمال بعد أن كانت متداعية، قرى تنهض ببنية تحتية حديثة، ومشروعات صغيرة فتحت أبواب الأمل أمام آلاف الأسر. هنا، لم يكن العامل مجرد مستفيد، بل كان شريكًا في كل ما يحدث، يزرع بيدٍ ويحصد بيدٍ أخرى.
أما على صعيد القوانين، فقد وضعت الدولة معايير جديدة للعدالة في بيئة العمل، من خلال قانون العمل الجديد. القانون لم يأتِ ليحمي العامل فقط، بل ليكرّس ثقافة الاحترام والعدالة بين جميع أطراف العملية الإنتاجية. حماية وظيفية، تأمينات شاملة، تنظيم دقيق لساعات العمل والإجازات، ومراعاة خصوصية كل فئة من فئات العمال.. كل ذلك بات واقعًا يلمسه العامل في يومه.
وفي زمن لم يعد الأمان فيه رفاهية، برزت جهود الدولة في مد مظلة الحماية الاجتماعية والتأمينية، للعامل، وخاصة من فئة العمالة غير المنتظمة، أصبح له ظهر وسند، وثائق تأمين ضد الحوادث، ورعاية صحية فعلية، وبرامج لتسجيلهم رسميًا كي لا يبقى أحد خارج دفء الدولة. مشهد لم نكن نراه قبل سنوات، أصبح اليوم جزءًا أصيلًا من المشهد الوطني.
ولأن التطوير لا يكتمل إلا بالعلم، توسعت الدولة في إنشاء مراكز التدريب المهني. لم تعد مهارات الأمس كافية لأسواق اليوم، فكان لا بد من إعداد العامل الجديد بمفاتيح العصر، من التدريب على التكنولوجيا إلى إتقان الحرف الحديثة، أصبح العامل المصري مؤهلًا ليكون جزءًا من المشروعات العملاقة التي تنتشر في ربوع الوطن.
تلك المشروعات القومية، من العاصمة الإدارية إلى مشروعات الطاقة والطرق والموانئ، لم تكن لتُقام لولا سواعد العمال. على الأسفلت، وتحت الشمس، وفي الورش والمصانع، سجلوا أسماءهم بحروف من تعب. وكل مشروع يُفتتح هو شهادة جديدة على أن العامل المصري لم يتخلف يومًا عن نداء الوطن.
وتقديرًا لهذا العطاء، حرص الرئيس عبد الفتاح السيسي على أن يكون في كل عام حاضرًا في احتفالية عيد العمال، ليكرّم النماذج المشرفة من أبناء هذا الوطن، لم تكن كلمات خطاباته تقليدية، بل رسائل واضحة بأن العامل شريك أصيل، وصاحب مكانة لا تزول.
يبقى العامل المصري هو القلب النابض في جسد هذا الوطن. هو من يحمل الحلم ويجسد الإنجاز، هو من يبني ويبقى في الظل، لكن اليوم... تخرجه الدولة إلى النور، تكرّمه، وتحتفل به، وتضعه حيث يستحق أن يكون. كل عام وكل عامل مصري بخير، فأنتم الذين تجعلون من الحلم حقيقة، ومن الوطن قلعة لا تهتز.