في عيد ميلاد الطيب الـ 79.. قصة الشاب الذي تخلى عن حلم الطيران ليكون "إمام المسلمين"
عيد ميلاد شيخ الأزهر، بروح حكيمة ترتدى ثياب الوقار، تزينها قوة الفكر والعلم، وقوة القرار وأمانته، وبوجه له من اللون المصرى نصيب الكل الشامل، تتوسطه عينان تحكيان حديثا طويلا أثناء الصمت الطويل، ولحية بيضاء خفيفة، تعلو الرأس الحكيم عمامة تقول إن هناك رمزا أزهريا في المحيط.
بتلك الملامح المتزنة، وبذاك الزى المنبثق من رحم الهيبة، يجلس فضيلة الشيخ أحمد الطيب، شيخ الأزهر الذي يحتفل اليوم بذكرى ميلاده الـ 78 على مقعد أكبر مؤسسة دينية في العالم، يدير الأمور بسلاح الحكمة، والقوة معًا.
نشأة الشيخ أحمد الطيب
في السادس من يناير عام 1946، استقبلت عائلة الطيب، بقرية القرنة بمحافظة الأقصر، مولودها الجديد الذي نشأ في أسرة صوفية عريقة طيبة، فحفظ القرآنَ وقرأ المتون العلميةَ على الطريقة الأزهرية الأصيلة إلى أن التحق بجامعة الأزهر وحصل على الليسانس في العقيدة والفلسفة من جامعة الأزهر بمصر عام 1969 والماجستير في العقيدة والفلسفة من جامعة الأزهر بمصر عام 1971، والدكتوراه في العقيدة والفلسفة من جامعة الأزهر بمصر عام 1977.
ويحكي الطيب عن طبيعة علاقته بوالدته قائلًا:" وفقني الله أن أكون تحت قدميها كما قال الحديث ألزمها فإن الجنة عند رجليها، إلي أن توفيت، وعندما حجزت في المستشفى حجزت معها في نفس الحجرة، وكانت يدي قبل يد الممرضات أو الطبيب، إلى أن فارقت هذه الحياه رحمها الله".
وأضاف: "أنا الذي حملتها بين يدي وأدخلتها قبرها، لم يحدث أن كلفت أمي أن تضع لي الطعام أو أن تاتى لي بأي من مستلزمات الحياة اليومية، كانت دائما تتحدث معي ورغم إني كنت متعلما في الجامعة ومثقفا وفي بعض الأحيان كنت أعلم أنها ليست على صواب لكن لا أستطيع أن أخبرها بذلك".
رحلة شيخ الأزهر العلمية
ورغم حلمه أن يصبح طيارا إلا أن الطيب اتجه إلى طريق تميز علمي آخر كانت أول خطواته عندما عمل الطيب معيدا بقسم العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر من 2 سبتمبر 1969، كما عمل مدرسا مساعدا للعقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر من 5 أكتوبر 1972، ثم مدرس العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر من 24 أغسطس 1977، وأستاذا مساعدا للعقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر من 1 سبتمبر 1982، وأستاذ العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر من 6 يناير 1988.
ويحكى شيخ الأزهر عن بداية رحلته العملية قائلا: “عندما عينت معيدًا فى عام 1969 كان راتبى 17 جنيهًا ونصف، وكان علىّ أن أدفع للمركز الثقافى الفرنسى جزءًا منه، وأعيش بالباقى، خاصة أننى أصبحت مستقلًا ولا أستطيع أن أطلب من والدى أن يساعدنى، وبالفعل استطعت أن أستمر 4 سنوات فى المركز إلى أن حصلت على الماجستير، وسافرت للخارج.. ولكنى للأسف مرضت فعدت إلى مصر وحصلت على الدكتوراه هنا، لذا فالكثيرون يظنون أننى حصلت على الدكتوراه من الخارج، والحقيقة أننى حصلت عليها من الأزهر، ولكن بعدها سافرت كثيرًا إلى السوربون فى رحلات علمية وارتبطت بأساتذة كبار هناك، وعلى الرغم من أنى كنت ما أزال فى مرحلة طلب العلم بالنسبة لهم فإنهم كانوا يعاملوننى كزميل”.
وأضاف:" سجلت موضوع رسالة الدكتوراة، عن شخصية يهودية أسلمت فى القرن الرابع، كانت تسمى “أبوالبركات البغدادى”، وكان رجلا ذكيا وعبقريا، وأراد أن يهدم ابن سينا والفلسفة اليونانية تمامًا، وكان ميالًا للفلسفة الدينية والقرآن.. وذهبت إلى فرنسا أكثر من مرة لأنى وجدت هذا الرجل مكتوبا عنه بـ9 لغات، منهم شخص يهودى كتب عنه بالعبرية والفرنسية والإنجليزية والروسية، بينما لم يكن مكتوبًا عنه باللغة العربية إلا بعض الملازم الصغيرة.
الشخصية التي أثرت في حياة شيخ الأزهر
وتحدث الطيب عن أبوالبركات البغدادى قائلًا: «كان يهوديًا إلا أنه أسلم فى نهاية حياته، وتوفى سنة 547 هجرية، وقد كتب يهودى يدعى (سلمون) أن عبقرية (البغدادى) تولدت عنده بسبب الاضطهاد الذى لاقاه من المجتمع الإسلامى».
وأضاف: «لكننى أثبت أن هذا لم يكن صحيحًا لأنه وصل إلى أن أصبح طبيبًا لزوجة الخليفة، فلا يمكن أن يكون مضطهدًا إذن، وقد كان يستمع إلى العلم من وراء الجدار، وكان يحاور الأستاذ ويرد عليه من خلف الجدار، وقد فسر اليهودى سلمون هذا الأمر بأن هذا تأكيد على الاحتقار الذي كان يلقاه البغدادى، لكننى فسرت هذا على أن العلم وقتها كان مكانه المسجد، وبالطبع كان معلومًا وقتها أن غير المسلمين لا يدخلون المسجد، ولو أن الأستاذ كان يحتقره لما كان يرد على أسئلته أو يسمح له بمراجعته وطرده من حلقة العلم، لكنه فى الحقيقة كان يشعر بنوع من الظلم لأنه كان يريد أن يكون فيلسوفًا مثل ابن سينا، واستطاع أن يحطم فلسفة ابن سينا وأرسطو فى عديد من المناحى، وكان ينتصر لأفلاطون لأنه كان له بُعد روحى وصوفى قريب من الأديان، فخرج بنقده على أرسطو، وألّف كتابا واحدا اسمه «المعتبر فى الحكمة»، وعكفت على هذا الكتاب 6 سنوات، وهى الفترة التى استغرقتها لإنهاء رسالة الدكتوراه.
انتدب الطيب بعد ذلك ليكون عميدا لكلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنين بمحافظة قنا اعتبارا من 27 أكتوبر 1990 حتى 31 أغسطس 1991، ثم انتدب عميدا لكلية الدراسات الإسلامية والعربية بنين بأسوان في الفترة من 15 نوفمبر 1995 وتجدد انتدابه عميدا للكلية نفسها من 9 نوفمبر 1997 حتى 3 أكتوبر 1999، بعدها عين عميدا لكلية أصول الدين بالجامعة الإسلامية العالمية بباكستان في العام الدراسي 1999/ 2000م.
وبعد فترة من العمل الجامعي شغل منصب مفتي جمهورية مصر العربية من 10 مارس 2002 حتى 27 سبتمبر 2003، ثم رئيسا لجامعة الأزهر من 28 سبتمبر 2003، إلى أن صدر قرار جمهوري بتعيينه شيخا للأزهر، في التاسع عشر من شهر مارس لعام 2010، وأيضا تولى الطيب عددا من المهام الدينية الأزهرية الأخرى، منها رئيس اللجنة الدينية باتحاد الإذاعة والتليفزيون وعضو مجلس أمناء اتحاد الإذاعة والتليفزيون وعضو مجمع البحوث الإسلامية وعضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية وعضو الجمعية الفلسفية المصرية.
محطات في حياة شيخ الأزهر
وفي التاسع عشر من شهر مارس عام 2010 تولى منصب شيخ الأزهر وأعلن حينها أن "الأزهر لا يحمل على عاتقه تنفيذ أجندة الحكومة لكنه في الوقت ذاته لا ينبغي أن يكون ضدها لأنه جزء من الدولة وليس مطلوبا منه أن يبارك كل ما تقوم به الحكومة".
وفي 2011 تم تعديل القانون رقم 103 لسنة 1961، بشأن إعادة ترتيب الأزهر والهيئات التابعة له، وكان من أبرز البنود المعدلة، أن يتم اختيار شيخ الأزهر بالانتخاب من بين أعضاء هيئة كبار العلماء المرشحين للمنصب.
وعن تعيينه شيخًا للأزهر، قال «الطيب»: «لم أكن أتوقع أنه سيتم تعيينى شيخًا للأزهر بشكل حاسم، لكن كان يتردد هذا الأمر، وكنت أتوقع أنى لن أكون كذلك لأننى أساسًا غير راغب فيه لأنه منصب له ثقله ومسؤولياته الكبرى، وإذا وضعت فى مكان أتعامل معه من منطلق المسؤولية أمام الله، وكنت أعلم أنه سيكلفنى الكثير من المتاعب أو على الأقل سيقضى على البقية الباقية من حريتى الشخصية التى أستمتع بها وأنا فى مكتبتى أو عندما أسافر هنا أو هناك أو أتصل بأصدقائى الأجانب لأكون معهم، فأنا من القلائل الذين لم يذهبوا إلى المصيف ولو مرة واحدة، وقد يُستغرب هذا الكلام ولكن اعتبرونى من الجيل المنقرض.
وأضاف: فى هذا الوقت كنت فى البلد، فأنا أذهب هناك كل أسبوعين تقريبًا، ويوم الجمعة فوجئت بهذه المكالمة التليفونية، وفقدت تفكيرى وذاكرتى للحظات من شدة الصدمة، لكنى فورًا أدركت أن قضاء الله قد نفذ، ومنذ ذلك الوقت وأنا أشعر بأنى لست ملكًا لنفسى ولا أهلى، ولست شخصًا من حقه أن يستمتع بما يستمتع به الآخرون، فأجدنى غارقًا فى الملفات، ولكن الحمد لله ما فتحنا ملفًا إلا وشعرت أن الله سبحانه وتعالى يعيننى على الاتجاه إليه بشكل صحيح.