ترند ومنوعات

مصطفى ناصر يكتب.. تَسَاهُلٌ يَحْتَلُّ كُلَّ شَيْءٍ

15 سبتمبر 2022 04:37 م

في باطن كل إنسان وضع اللّٰهُ جوهرة ثمينة، ولكن اكتشافَها، واستخراجها، ثم جعلَها بَرَّاقَةً، والاستفادة منها، كل ذلك صَيَّرَهُ _جل وعلا_ أمرًا أنت وَلِيُّه... وإنَّ مِنَ الناس مَنْ يقضي حياته ولا يستنبط جوهرته، ومنهم مَنْ يصادفها _بإذن الله_ في طريقه، وفي تلك الحال تجد بعضهم يمر بها دون أن يمد يده لرفعها، وكثيرين لا يأخذونها لشيء سوى التفاخر بها، ومع ذلك يستهترون بقيمتها، ولا يضعونها إلا على هامش حياتهم، لكن القليل منهم يختطفها ويعتني بها غاية الاعتناء... ألا إن هذه الجوهرة هي موهبة الإبداع، ولأننا مختلفون في كل شيء؛ كان اختلافنا في مواهبنا، وطرائق تطويرها، وانتفاعنا بها... إلى آخره، طبيعيًّا.

وحتى يصقل ذو موهبة موهبته يجب عليه اللجوء إلى العلم، وحبذا لو كان مستعينًا في ذلك بمُعَلِّمٍ أو مُدَرِّبٍ ذي خبرة، إضافة إلى جهوده الذاتية… فبذلك يسلك أكثر الطرق اختصارا... ثم يأتي دور المدرب الذي ينبغي عليه _أولًا_ أن يَصْدُقَ طالبَهُ القولَ في وجود موهبة به _أعني موهبةً في مجال مُحَدَّدٍ، ومُدَرِّبًا مختصا به_ أو عدمها، سواء كان بمقابل مادي أو بغير مقابل _وإن كان غالبًا بدونه_ إنما لا يليق بهذا المدرب _ثانيًا_ أو يحق له أن يتغاضى عن خطإٍ تزل فيه قدمُ طالبِهِ ومُسْتَعْلِمِهِ، مهما كان متوسمًا فيه أنه سيتخطى هذا الخطأ غير الصغير… ومن هنا وُلِدَت القضية، قضية تَهَاوُنٍ غزا كل شيء، حتى التعلم والعلم.

وهذه الفعلة غير المروية بِتَفَكُّرٍ لن تجني ثمرًا طيبًا أبدًا، فالمتعلم يعتمد _في تلك الحال_ على مدربه يرى اعتمادا شبه كلي، خاصة حينما يكون من ذوي العزم، فالله أعلم كم سهر وكد، وأغرق جبينه بذلُ الجهد، وإن كان رَسَّامًا أو قاصًّا _مثلًا_ سيظن أَنَّ قصته أو لوحته خالية _بعد عرضها على معلمه_ من الأخطاء الفادحة، فلا خاطرُهُ في مدربه الجليل من ذرة شك، ثم يأخذ في جدال أي فرد يلفت نظره إلى شيء في عمله الإبداعي، جدالٍ ربما يصل إلى حد المشاجرة، ويجلس متسائلًا: لماذا لم يفز صنيعه في مسابقة ما؟! كيف لم يفهمه كثير من المتلقين؟! وهل ثناء مدربه عليه كان مجاملة؟! وللمدرب أن يتخيل على وجه تلميذه حين يبين عن خطإٍ فاحش في عمله مُتَخَصِّصٌ كبير معالمَ الحزن، والخزي، والانهيار.

لقد كان حَقًّا على ذاك المدرب أَلَّا يتغافل عن شيء، وإلَّا يعتذر عن المساعدة والاطلاع كليًّا؛ حفظًا لعلمه أولًا، واحترامًا وتكريمًا لإنسان هو معلمه ثانيًا، ولكن قد يهب المدرب قائلًا: إن أعمال تلميذه لم تزل محض تجارب، ويخشى أن يصيبه بالإحراج إذا أمسك عليه كل صغيرة وكبيرة، أَيُحْبِطُهُ وهو مبتدئ يستطعم حلو الأحلام؟! نعم، فبغير ذلك كيف ينال التفوق أو النجاح؟! بل لابد له من يوم سَيُشْعِرُهُ بأنه كبيت آيل للسقوط؛ من رخاوة أساسه... غير أن تصحيح المدرب أخطاء تلميذه ليس فيه أي إحباط أو إحراج أصلا، بل إنه عين التعلم... وللمدرب أن يعرف _إن لم يكن عالِمًا_ أنَّ إظهاره الأخطاء في عمل إبداعي فتصويبها؛ لا يكون إلا بعد الثناء على جميل فيه، أو على صاحبه إن لم يعجبه شيء في العمل قط، فإن ذلك من آداب النقد المعروفة، والتي لن تُشْعِرَ المبدع بأي شيء من الإحباط.

وعلى الموهوب _في الحالة تلك_ يُوقَعُ أقسى اللوم؛ فلقد تساهل واستجدى تعليمه من مصدر واحد؛ لكونه يسيرًا وفوريًّا، والعصر عصر تَفَتُّحٍ قد ابتكر لنا صندوق العجب (الإنترنت) فطالب اليوم ليس كطالب الأمس الذي كان يصرف أيامًا، ويفني أثمانًا؛ باحثًا عن كتاب يستخرج منه معلومة واحدة.

فلا يجوز له أن يعاتب معلمه الذي أعطاه مِنْ وقته الكثيرَ، وبذل من جهده الوفير، وتغاضى مُحَفَّزًا إياه عن الضئيل والكبير، أيَّ عتاب ولو صغير، بل عليه أن يشكره ويقدره كل التقدير.