
أعادت دار الإفتاء المصرية نشر فتوى على الصفحة الرئيسية لموقعها الرسمي تتعلق بموضوع حكم العلاج بالعطور والبخور والذي أجاب عنها الدكتور شوقي إبراهيم علام، مفتي الجمهورية، حيث نص السؤال على الآتي: يستخدم بعض الناس بعض العطور أو البخور للعلاج؛ نشرًا في الجو، أو استنشاقًا، أو بتدليك مواضع الإصابة ببعض الزيوت العطرية، ويدَّعي بعض الناس أن ذلك بدعة، وأنه لا أصل له شرعًا وغير جائز، فما حكم الشرع في ذلك؟، ويستعرض التقرير التالي بعضا مما جاء في هذه الفتوى.
وبخصوص حكم التداوي بالعطور والبخور قال مفتي الجمهورية إنه: لا مانع شرعًا من الاستشفاء بالعطور والبخور؛ لما ثبت أنَّ لهما تأثيرًا بالغًا على الصحة النفسية والبدنية، وليس ذلك من البدَعِ في شيء؛ بل هو من هدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وصحابته من بعده، ونصَّ عليه علماء الأمة سلفًا وخلفًا عبر القرون، وصنفوا في ذلك الكتب والمؤلفات، واجتهدوا في بيان ما يُستشفى به منهما، مع وجوب الالتزام في ذلك بما يمليه الأطباء وينصح به المتخصصون؛ حتى يؤتِيَ نفعَهُ، ويُجتنَبَ ضررُهُ؛ إذ إن تفاوت الأجساد البشرية في الصحة والمرض، والقوة والضعف، يتحتم معه تفاوت طُرق علاجها، كما أن ما يصلح لأحدٍ قد يَضُرُّ بآخر.
وواصل شوقي علام عبر موقع دار الإفتاء قائلا: أمرَ الشرع الشريف باتِّخاذ كافة السُّبل والإجراءات المؤدية إلى العلاج والمداواة؛ أخذًا بالأسباب، وعملًا بالسنن الكونية التي أودعها الله تعالى في هذه الحياة؛ إذ الداء والدواء من الثنائيات المخلوقة والموجودة، إلَّا أنَّ الإنسان قد يُخطئ الدواء أو يتأخَّرُ في معرفته أو الوصول إليه؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَا أَنْزَلَ اللهُ دَاءً إِلَّا أَنْزَلَ لَهُ شِفَاءً» رواه البخاري في "الصحيح".
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما؛ مرفوعًا إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءٌ، فَإِذَا أَصَبْتَ دَوَاءَ الدَّاءِ، بَرَأَ بِإِذْنِ اللهِ تَعَالَى» رواه مسلم في "الصحيح"، وأحمد في "المسند" واللفظ له.
قال الشيخ ابن القيم في "زاد المعاد" (4/ 13، ط. الرسالة): [قوله: «لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءٌ» على عمومه، حتى يتناول الأدواء القاتلة، والأدواء التي لا يمكن لطبيب أن يُبْرِئَهَا، ويكون الله عز وجل قد جعل لها أدوية تُبْرِئُهَا، ولكن طوى علمها عن البشر، ولم يجعل لهم إليه سبيلًا؛ لأنه لا عِلْمَ للخلق إلا ما عَلَّمَهُمُ الله، ولهذا عَلَّقَ النبي صلى الله عليه وآله وسلم الشفاء على مصادفة الدواء للداء، فإنه لا شيء من المخلوقات إلا له ضدّ، وكل داء له ضدّ من الدواء يعالج بضده، فَعَلَّقَ النبي صلى الله عليه وآله وسلم الْبُرْءَ بموافقة الداء للدواء، وهذا قدر زائد على مجرد وجوده.. ومتى تمت المصادفة: حصل الْبُرْءَ بإذن الله ولا بُدَّ، وهذا أحسن المحملين في الحديث] اهـ.
وأشار علام إلى أن التداوي مباحٌ بالإجماع؛ كما قال العلامة المرغيناني في "الهداية" (4/ 381، ط. دار إحياء التراث)، وكان من هديه صلى الله عليه وآله وسلم فعل التداوي في نفسه، والأمر به لمن أصابه مرضٌ من أهله وأصحابه رضي الله عنهم؛ كما قال الشيخ ابن القيم في "زاد المعاد" (4/ 9).
وواصل قائلا: وقد أرشد الشرع الشريف إلى الرجوع في التداوي من الأمراض إلى الأطباء؛ لأنهم أهل الذكر والتخصص في هذا. فعن هلال بن يساف قال: جُرِحَ رَجُلٌ على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: «ادْعُوا لَهُ الطَّبِيبَ»، فقال: يا رسول الله، هل يُغْنِي عنه الطبيب؟ قال: «نَعَم، إِنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعالىَ لَمْ يُنَزِّلْ دَاءً، إِلَّا أَنْزَلَ مَعَهُ شِفَاءً».