محافظات

من "مقلب زبالة" لثاني أضخم مشروع في الجمهورية.. كيف أصبح "ابن ديروط" مليونيرًا بـ "جوزين حمام"؟

26 ديسمبر 2025 02:18 م

أمير عرفه

مراسل موقع "بصراحة الإخباري" يحاور "إمبراطور الحمام" عمرو مجدي.

في قلب صعيد مصر، وتحديدًا داخل مركز ديروط بمحافظة أسيوط، لم يكن السيد "عمرو مجدي" يدرك أن سطح منزله الذي كان يضج بالفوضى والمخلفات، سيتحول يومًا ما إلى أيقونة إنتاجية يُشار إليها بالبنان؛ قصة ملهمة بطلها شاب خرج عن المألوف، وقرر ألا يستسلم للروتين، ليصنع من مساحة مهملة تقدر بـ 365 مترًا، أكبر مزرعة لإنتاج "الحمام اللاحم الفرنسي" على مستوى الصعيد، وثاني أكبر مزرعة على مستوى الجمهورية، في تجربة اقتصادية فريدة كسرت حواجز البطالة وفتحت آفاقًا جديدة للاستثمار المنزلي.

*​صدفة صنعت المستحيل*
​لم تكن الزراعة أو تربية الطيور هي المجال الأصلي لابن ديروط، فخلفيته الأكاديمية كخريج "خدمة اجتماعية" وعمله السابق في تجارة السيارات واستيراد الكماليات، كانت تبعده أميالًا عن هذا العالم. وعن نقطة التحول، يسرد "عمرو" تفاصيل الحكاية لـ"بصراحة الإخباري"، موضحًا أن البداية كانت "هدية" بسيطة عبارة عن زوجين من الحمام قُدما لأطفاله.
​تلك الهدية لم تكن مجرد طيور للزينة، بل كانت الشرارة التي أقدت في ذهنه فكرة استغلال سطح منزله، الذي كان عبارة عن "مقلب قمامة" ومخزن للأدوات المتهالكة. وبنظرة الخبير الاقتصادي، قرر "عمرو" إزالة أطنان المخلفات، وإعادة تأهيل تلك المساحة الشاسعة، ليحول القبح إلى جمال، والفوضى إلى نظام إنتاجي دقيق.

*​هندسة "الذهب الفرنسي" فوق السطح*
​استطاع "ابن أسيوط" تقسيم سطح منزله هندسيًا إلى ما يقرب من 6 أو 7 عنابر متخصصة، كل عنبر له وظيفة محددة بدقة متناهية:
- ​عنابر الإنتاج المكثف: وهي مجهزة ببطاريات وسلاكات حديثة.
- ​عنابر "السايب": مخصصة للتربية الحرة لبعض السلالات أو الأعمار.
- ​عنابر العزل (ICU): وهو قسم بالغ الأهمية، خصصه "عمرو" للطيور التي تعاني من أي عارض صحي أو القادمة حديثًا من الخارج، حيث يتم عزلها تمامًا لضمان عدم نقل العدوى للقطيع الأساسي، ولا تخرج إلا بعد التأكد التام من سلامتها.
- ​مساحات التوسع: ورغم ضخامة المشروع، لا يزال هناك جزء من السطح ينتظر التوسع، مما يعكس رؤية مستقبلية لزيادة الطاقة الإنتاجية.
وداخل هذه العنابر، لا تدار الأمور بعشوائية، بل بنظام "أكواد" وسجلات رقمية؛ فكل طائر يحمل رقمًا (مثل ذكر 18، أنثى 17) لتتبع سلالته وإنتاجه.
​وفيما يخص السلالة، تخصصت المزرعة في "اللاحم الفرنسي البيور"، وهو نوع يتميز بإنتاجه الغزير وسرعة دورة رأسماله، حيث يتم فطام الزغاليل عند عمر 30 إلى 35 يومًا، لتبدأ دورة تسمين أو بيع سريعة، بينما تصل الطيور لسن البلوغ والإنتاج عند عمر 4 أشهر.

*​كنز "السماد".. الطن بـ 8000 جنيه*
​اقتصاديًا، لا يتوقف ربح هذا المشروع عند بيع اللحوم أو السلالات فحسب، بل كشف "عمرو" عن مفاجأة قد يغفل عنها الكثيرون، وهي الاستثمار في مخلفات الحمام أو ما يعرف بـ "السبلة".
​وأوضح صاحب المزرعة أن هذا "الزرق" يعد أقوى سماد عضوي للأراضي الزراعية في العالم، حيث يصل سعر الطن الواحد منه إلى أرقام فلكية تتراوح ما بين 7000 و 8000 جنيه، ويتم تعبئته في "شوالات" مخصصة وبيعه للمزارع الكبرى، مما يفتح بابًا خلفيًا للربح يغطي تكاليف التشغيل ويزيد.

*​من ديروط إلى 27 محافظة.. ضمان واستبدال*
​نجح "عمرو" في تحويل مشروعه من مجرد هواية إلى "براند" مسجل، حيث تمكن من خلال التسويق الإلكتروني وإنشاء صفحات متخصصة من شحن إنتاجه إلى كافة محافظات مصر، من الإسكندرية شمالًا وحتى أسوان جنوبًا، بل وتلقى طلبات تصدير لدول عربية مثل ليبيا والسعودية، ​ويتم شحن الحمام في أقفاص "كرتونية" مجهزة بفتحات تهوية.
​ولأن الثقة هي أساس التجارة، يرفع "عمرو" شعار "الضمان الشامل"، حيث يمنح عملاءه ضمانًا كتابيًا لمدة 30 يومًا على صحة الطيور، وضمانًا آخر على الخصوبة بنسبة تتخطى 85%، مؤكدًا: "أي فرد حمام لا ينتج أو يمرض خلال شهر، يتم استبداله فورًا وعلى نفقتي الخاصة شاملة الشحن".

*​روشتة نجاح للشباب: "ابدأ صغيرًا تكبر"*
​وفي ختام حديثه، وجه "عمرو مجدي" رسالة نارية للشباب الباحث عن العمل، ناصحًا إياهم بعدم التهور والبدء بأعداد ضخمة دون خبرة. وقال: "لا تشتري 100 جوز مرة واحدة، ابدأ بـ 10 أزواج فقط، وتعلم فيها، واتركها تتكاثر عندك لتصل إلى 50 و 60 جوزًا من إنتاج يدك".
​اليوم، يمتلك "عمرو" قطيعًا يتراوح بين 650 و 700 زوج منتج، محققًا اكتفاءً ذاتيًا وأرباحًا مجزية، ليثبت للجميع أن الكنوز لا تحتاج إلى البحث في باطن الأرض، بل قد تكون فوق رؤوسنا، فوق أسطح منازلنا المهملة، تنتظر فقط من ينفض عنها الغبار.