
في حراك تنويري يكسر حاجز الصمت ويقتحم المناطق الشائكة في الموروث الثقافي للجنوب، دشن مجموعة من شباب الإعلاميين بمحافظة أسيوط تجربة رقمية فريدة من نوعها، تمثلت في إطلاق بودكاست "سلام صعيدي"، الذي يعد أول منصة صوتية ومرئية متخصصة تضع مشرط الجراح على أوجاع المجتمع الصعيدي، لتعالج قضايا "الدم والبارود" ومنطق القوة المفرطة، وتستبدلها بلغة الحوار وقبول الآخر، وذلك تتويجاً لمخرجات زمالة "الصحافة للحوار"، وبدعم ورعاية دولية مباشرة من مركز الملك عبد الله بن عبد العزيز العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات "كايسيد"، حيث تحولت منصات التواصل الاجتماعي في أسيوط خلال الساعات الماضية إلى ساحة نقاش مفتوحة تزامناً مع انطلاق الحلقات الأولى للمشروع الذي يهدف إلى تغيير الصورة النمطية "الكليشيه" المأخوذة عن الصعيد، وإعادة تقديم الإنسان الصعيدي بصورته الحقيقية المحبة للسلام والبناء.
وترتكز فلسفة "سلام صعيدي" على الغوص العميق في تفاصيل الحياة اليومية، متجاوزة السطحية في الطرح، حيث تفتح الحلقات ملفات جريئة ظلت لسنوات طويلة حبيسة الغرف المغلقة، وعلى رأسها ملف "الثأر" الذي استنزف دماء العائلات، وقضايا العصبية القبلية، وحقوق الفئات المهمشة، وذلك من خلال "توليفة" ضيوف ذكية جمعت بين الحكمة والعلم والتجربة، فتجد على مائدة الحوار رجال الدين الإسلامي والمسيحي جنباً إلى جنب لترسيخ مفاهيم المواطنة، وبجوارهم الأكاديميين والحقوقيين لتفكيك خطابات الكراهية والتمييز سواء القائم على العرق أو الدين أو الجندر، بالإضافة إلى الاستماع لأصوات أصحاب التجارب الإنسانية الحية الذين دفعوا ثمن الصراعات، ليكونوا شهود عيان على ضرورة التغيير، وهو ما أكده محمد ممدوح، مؤسس المبادرة، الذي أشار إلى أن الصعيد كان في أمسّ الحاجة إلى هذه "المساحات الآمنة" للتعبير عن الرأي بحرية، بعيداً عن أحكام المجتمع المسبقة.
ولم يغفل القائمون على البودكاست لغة العصر الرقمية، حيث اعتمدوا استراتيجية "الانتشار الذكي" للوصول إلى عقول الشباب والمراهقين، عبر تطويع المحتوى الدسم وتحويله إلى رسائل بصرية وسمعية قصيرة ومكثفة تناسب طبيعة منصات "تيك توك، إنستجرام، وفيسبوك"، مما يضمن وصول رسائل التسامح ونبذ العنف ضد المرأة والطفل والأقباط وذوي الإعاقة إلى ملايين المستخدمين في ثوانٍ معدودة، فاتحين الباب أمام الجمهور للمشاركة في صناعة المحتوى عبر التعليقات والنقاشات التفاعلية، ليتحول "سلام صعيدي" من مجرد برنامج، إلى مشروع مجتمعي متكامل يبني جسوراً من الود والاحترام، ويؤكد أن "الميكروفون" قد يكون أقوى من السلاح في معركة الوعي.









