
في تجربة فريدة من نوعها تعيد صياغة مفهوم الاستفادة من المنشآت الحكومية، وتنتقل بالأبحاث العلمية من الأوراق إلى التطبيق العملي المنتج، نجحت كلية الزراعة بجامعة أسيوط في تحويل أسطح مبانيها الخرسانية الصامتة إلى مزارع خضراء تنبض بالحياة والإنتاج، وهو ما اعتبره الدكتور أحمد المنشاوي، رئيس الجامعة، "قصة نجاح ملهمة" تتجاوز أسوار الجامعة لتقدم نموذجاً وطنياً رائداً في مجال الزراعة الذكية والاستدامة البيئية، مؤكداً خلال لقائه بعدد من وسائل الإعلام اليوم الأربعاء 19 نوفمبر، أن هذه الخطوة تأتي استجابةً عملية لتحديات التغيرات المناخية وضرورة تحقيق الأمن الغذائي.
وأوضح رئيس الجامعة أن المشروع لا يمثل مجرد تجميل للمكان، بل هو تطبيق استراتيجي لرؤية مصر 2030 وسياسات وزارة التعليم العالي الداعمة للاقتصاد الأخضر، حيث تمكنت الجامعة من استغلال المساحات المهملة فوق الأسطح لتحويلها إلى وحدات إنتاجية توفر بيئة زراعية مستدامة، تساهم بشكل مباشر في خفض درجات الحرارة داخل المباني وتنقية الهواء، مما يقلل من آثار الاحتباس الحراري والبصمة الكربونية، مقدماً بذلك حلاً مبتكراً للزراعة لا يعتمد على استصلاح أراضي جديدة بل يستثمر المتاح بأعلى كفاءة ممكنة.
ولم تتوقف مكاسب المشروع عند البعد البيئي فحسب، بل امتدت لتشمل حزمة من الفوائد الاقتصادية والاجتماعية التي استعرضها الدكتور "المنشاوي" باستفاضة، مشيراً إلى أن زراعة الأسطح توفر منتجات زراعية طازجة وآمنة من الخضروات المتنوعة مثل الطماطم والفلفل والكرنب البلدي، إضافة إلى النباتات الطبية والعطرية، وذلك بتكلفة منخفضة للغاية، مما يفتح آفاقاً واسعة أمام الشباب لتبني مشروعات صغيرة مماثلة تدر دخلاً جيداً، كما يمنح المرأة المصرية فرصة ذهبية للمساهمة في توفير احتياجات أسرتها الغذائية من منزلها، فضلاً عن الدور التربوي للمشروع في غرس قيم الحفاظ على البيئة وتنمية المهارات لدى الأطفال والنشء.
وفي سياق متصل، كشف رئيس جامعة أسيوط عن الجوانب الإبداعية في إدارة المشروع، حيث لم تكتفِ الكلية بالزراعة التقليدية، بل اعتمدت حلولاً مبتكرة لتعزيز الاستدامة، أبرزها إعادة تدوير المخلفات الخشبية المتهالكة وتحويلها إلى أحواض زراعية أنيقة ومنتجة، مما يقلل الهدر ويعظم الاستفادة من الموارد، ليتحول الموقع إلى منصة تدريبية عملية مفتوحة أمام طلاب كلية الزراعة وكافة طلاب الجامعة، لاكتساب مهارات سوق العمل الحقيقية في إدارة المحاصيل وطرق الري الحديثة.
واختتم الدكتور المنشاوي حديثه بتوجيه تحية شكر وتقدير لفريق العمل الدؤوب بكلية الزراعة، بقيادة عميد الكلية ووكلائها وأعضاء هيئة التدريس والمشرفين، مؤكداً أن جامعة أسيوط ستظل "بيت الخبرة" الذي يدعم كل مبادرة جادة تخدم المجتمع، وأن مشروع زراعة الأسطح هو مجرد بداية لسلسلة من المشروعات التي تستهدف خلق مستقبل أخضر ومستدام داخل الجامعة وخارجها.
