في الوقت الذى أدخلت فيه الولايات المتحدة الأمريكية تعديلات جوهرية على مسودة مشروع القرار «الأمريكي» المتعلق بغزة، حذرت الفصائل والقوى الفلسطينية من خطورة المشروع، الذى تقرر أن تجرى مناقشته في مجلس الأمن، (وحتى مثول الجريدة للطبع)، للمرة الثانية خلال أسبوع، في محاولة لتقريب المواقف وضمان موافقة أوسع داخل المجلس، وفق وثائق اطلعت عليها وسائل إعلام عربية وتشمل التغييرات إعادة صياغة بنود حساسة تتصل بوقف إطلاق النار، والمسار السياسي، ودور القوة الدولية المنتظرة.
بنود مشروع القرار الأمريكي
وشددت واشنطن في البند الأول على التزام الدول الموقعة بالحفاظ على اتفاق وقف إطلاق النار.
كما تضمن البند الثاني للمرة الأولى إشارة صريحة إلى إمكانية تهيئة الظروف لقيام دولة فلسطينية بعد استكمال إصلاحات السلطة الفلسطينية وتقدم إعادة إعمار غزة، مع إطلاق مسار حوار سياسي ترعاه الولايات المتحدة بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي.
وفى خطوة لافتة، حذفت النسخة الجديدة الفقرة العقابية ضد المنظمات الإنسانية التي كانت تعتبر أي جهة «غير مؤهلة» حال إساءة استخدام المساعدات، وهو تعديل رحبت به عدة منظمات دولية.
وشملت التعديلات أيضًا وصف مجلس السلام بأنه «إدارة انتقالية»، وإضافة الصفة ذاتها للسلطة المشرفة على الكيانات التشغيلية، فيما أدخل تعديل مهم على البند السابع المتعلق بالانسحاب الإسرائيلي، بربطه بتحقيق القوة الدولية «السيطرة والاستقرار» قبل تطبيق جداول الانسحاب المتفق عليها.
وتواصل واشنطن الضغط لاعتماد القرار، معتبرة اللحظة «تاريخية» لفتح الطريق نحو سلام مستدام في غزة.
من جانبه، قال أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس، الدكتور أيمن الرقب، في تصريحات لـ«المصرى اليوم»، إن مسودة القرار الأمريكي المطروحة أمام مجلس الأمن بشأن خطة ترامب تضم جوانب إيجابية وأخرى سلبية، مشيرًا إلى أن دول المجموعة العربية والإسلامية، خاصة الدول الـ8 التي اجتمعت مع ترامب، سبتمبر الماضي، دفعت باتجاه تأييد المشروع بعد إدخال تعديلات جوهرية عليه.
إعادة مفهوم الدولة الفلسطينية إلى الواجهة
وأوضح «الرقب» أن أبرز النقاط الإيجابية في المسودة هي إعادة تكريس مبدأ الدولة الفلسطينية ضمن المسار التفاوضي، إلا أن هناك بنودًا تنفيذية تستدعى تعديلات عاجلة، وعلى رأسها طبيعة الفصل القانوني الذى يصدر بموجبه القرار. وأضاف: «نحن نفضّل أن يكون القرار تحت الفصل السادس وليس السابع؛ لأن الفصل السابع يعنى استخدام القوة لتنفيذ بنوده، وهذا قد يقود إلى اشتباك مع المقاومة أو مع الفلسطينيين، وهو ما نخشاه تمامًا في هذه المرحلة».
وشدد «الرقب» على ضرورة أن تكون الحالة الفلسطينية جزءًا أصيلًا في تشكيل اللجنة أو القوة التي يتضمنها القرار، محذرًا من تحولها إلى «قوة تنفيذية» تتجاوز الحدود المطلوبة، بما قد يجعلها مع الوقت قوة ذات طابع احتلالي، الأمر الذى قد يدفع دولًا عربية وإسلامية للانسحاب من المشاركة.
وأشار إلى أن الجزائر، بصفتها ممثل المجموعة العربية في مجلس الأمن، تعمل على تقديم تعديلات محددة لتلافى هذه الإشكاليات، بالتزامن مع احتمال طرح مشروع قرار روسي مضاد، ومخاوف من استخدام موسكو حق الفيتو.
ولفت إلى أن خطة ترامب الأصلية أشارت إلى «قوة سلام دولية» في بندها رقم 15 دون تفاصيل واضحة، وأن الإدارة الأمريكية تسعى الآن إلى استصدار قرار أممي يمنح هذه القوة إطارًا قانونيًا أكثر صلابة. وأضاف: «إذا فشل تمرير القرار بسبب الفيتو الروسي، قد يلجأ الأمريكيون إلى تشكيل قوة متعددة الجنسيات خارج إطار مجلس الأمن، على غرار وحدة الرقابة العسكرية التي نُشرت سابقًا، والمكوّنة من نحو 20 دولة، وتعمل ضمن مبنى بثلاثة أدوار، يسيطر الإسرائيليون على أحدها».
وأكد أن ملف إعمار غزة يشكل محورًا أساسيًا في النقاشات، مع رفض عربي وفلسطيني قاطع لحصر الإعمار في المناطق الواقعة خارج الخط الأصفر، مطالبًا بضمان أوسع مشاركة عربية في إعادة الإعمار داخل كامل القطاع.
وفى ختام تصريحاته، قال «الرقب» إن الساعات المقبلة ستكون حاسمة في بلورة تعديلات نهائية على مشروع القرار، بما يضمن حماية الموقف الفلسطيني ويحول دون أي صيغة قد تفسّر باعتبارها تمهيدًا لقوة احتلال جديدة تحت غطاء دولي.
تحذيرات من خطورة المشروع
في الوقت ذاته، حذرت الفصائل والقوى الفلسطينية من خطورة مشروع القرار الأمريكي المطروح للتصويت في مجلس الأمن الدولي بشأن غزة، معتبرة أنه يسعى إلى «فرض وصاية دولية على القطاع وتمرير رؤية منحازة لإسرائيل»، قبيل التصويت المرتقب على المرحلة الثانية من خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والتي تتضمن نشر قوة دولية متعددة الجنسيات ورسم مسار سياسي نحو إقامة دولة فلسطينية.
وقالت الفصائل، في بيان مساء أمس الأول، إنها أصدرت مذكرة سياسية حذّرت فيها من هيمنة خارجية على القرار الوطني الفلسطيني، مشيرة إلى أن الصيغة الحالية للمشروع تحل إدارة غزة وإعادة الإعمار إلى جهة دولية فوق وطنية واسعة الصلاحيات، بما يجرد الفلسطينيين من إدارة شؤونهم. ونقلت هيئة البث العبرية أن المسودة الأمريكية تتضمن نشر قوة متعددة الجنسيات تعمل بالتعاون مع مصر وإسرائيل لإحلال الاستقرار في غزة، واستبدال حكم حماس والوجود العسكري الإسرائيلي، إلى جانب شرطة فلسطينية يتم تدريبها وإخضاعها لاختبارات أمنية.
وأكدت الفصائل أن أي جهد إنساني يجب أن يدار عبر المؤسسات الفلسطينية المختصة وبإشراف الأمم المتحدة، محذرة من تحويل المساعدات إلى أداة ضغط وإعادة هندسة للواقع في القطاع. كما شددت على ضرورة حماية دور «الأونروا» باعتبارها «شاهدًا أمميًا على قضية اللاجئين». ورفضت الفصائل أي مساس بسلاح المقاومة، مؤكدة أن «نزع السلاح» شأن داخلي لا يُبحث إلا في إطار مسار سياسي ينهى الاحتلال.
وتزامنت هذه التحذيرات مع استمرار انهيار الوضع الإنساني في غزة. ودعت حركة حماس، في بيان أمس، إلى الضغط على إسرائيل لوقف اعتداءاتها وفتح المعابر، مؤكدة أن الظروف المأساوية بعد عامين من الحرب تهدد حياة أكثر من مليوني فلسطيني في ظل غياب الغذاء والدواء وانهيار المنظومة الصحية. وحمّلت الحركة الاحتلال مسؤولية خروقاته لاتفاق وقف إطلاق النار واستمرار إغلاق المعابر.
ميدانيًا، أفادت هيئة البث الإسرائيلية بأن نحو 100 من عناصر حماس لايزالون متحصنين داخل أنفاق برفح، يشترطون خروجًا مناسبًا مقابل الاستسلام، فيما يواصل جيش الاحتلال الإسرائيلي توغله جنوب القطاع. كما كشفت «يديعوت أحرونوت» العبرية عن ارتفاع فرص تمرير مشروع القرار الأمريكي داخل مجلس الأمن، مع توقعات بعدم استخدام روسيا والصين حق النقض.
قبول للنموذج العربي الإسلامي
وعلى الصعيد السياسي، أكدت الفصائل أن «النموذج العربي الإسلامي» لإدارة غزة هو الخيار الأكثر قبولًا، مشددة على رفض أي وجود عسكري أجنبي أو قواعد دولية داخل القطاع. وفى سياق متصل، أعلنت وزارة الصحة فى غزة استشهاد 3 فلسطينيين، أمس، إضافة إلى دفن 14 شهيدًا مجهولي الهوية، بينما سلمت قوات الاحتلال 330 جثمانًا جرى التعرف على 97 منها فقط.
