تصاعدت التوترات بين واشنطن وكاراكاس إلى مستويات غير مسبوقة، مع استمرار مداولات رفيعة المستوى في البيت الأبيض حول توجيه ضربات عسكرية محتملة لفنزويلا، وبحسب صحيفة واشنطن بوست، فإن وزير الدفاع بيت هيجسيث، ورئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال دان كين، عقدا اجتماعات متتالية يومي الخميس والجمعة لبحث خيارات عسكرية متعددة، فيما تستعد القوات الأمريكية في منطقة الكاريبي لتنفيذ أوامر هجوم محتملة.
مختلف الخيارات بين أيدي ترامب
لم يتضح بعد ما إذا كان الرئيس دونالد ترامب قد اتخذ قرارًا نهائيًا بشأن التصعيد العسكري، إلا أن مصادر مطلعة أكدت لواشنطن بوست أن نقاشات عالية المستوى حول ما إذا كان سيتم توجيه ضربات لفنزويلا وكيفية تنفيذها مستمرة منذ عدة أيام.
وشارك في الاجتماعات الحاسمة نائب الرئيس جيه دي فانس ووزير الخارجية ماركو روبيو ونائب رئيس الأركان ستيفن ميلر، بحسب المصادر التي تحدثت شريطة عدم الكشف عن هويتها.
رفض البيت الأبيض والبنتاجون التعليق رسميًا، لكن مسؤولًا في الإدارة الأمريكية كشف لواشنطن بوست أن "مجموعة من الخيارات" عُرضت على الرئيس، مشددًا على أن ترامب "بارع للغاية في الحفاظ على الغموض الاستراتيجي، وأحد الأمور التي يتقنها هو عدم الإعلان أو البوح لخصومنا بما يريد فعله تاليًا".
انتشار عسكري غير مسبوق
يمثل الانتشار العسكري الأمريكي الحالي في المنطقة وجودًا استثنائيًا لم تشهده منطقة الكاريبي من قبل، فبحسب واشنطن بوست، يتمركز حاليًا نحو 15 ألف جندي أمريكي موزعين على حوالي 12 سفينة حربية، بالإضافة إلى تعزيزات أُرسلت في الأسابيع الأخيرة إلى القواعد الأمريكية في بورتوريكو، ما يشكل حضورًا عسكريًا مذهلًا في منطقة كانت تشهد تاريخيًا سفينة بحرية واحدة أو اثنتين فقط، إلى جانب عمليات خفر السواحل الروتينية لمكافحة تهريب المخدرات.
حتى يوم الجمعة، كانت سبع سفن حربية أمريكية متمركزة في البحر الكاريبي، تشمل الطرادات الصاروخية الموجهة يو إس إس جيتيسبيرج ويو إس إس ليك إيري، والمدمرات يو إس إس جرافلي ويو إس إس ستوكديل، بالإضافة إلى السفن البرمائية يو إس إس إيو جيما ويو إس إس فورت لودرديل ويو إس إس سان أنطونيو.
أما حاملة الطائرات يو إس إس جيرالد فورد فكانت قريبة في المحيط الأطلسي برفقة المدمرات يو إس إس ماهان ويو إس إس باينبريدج ويو إس إس ونستون تشرشل.
كشفت الصحيفة الأمريكية أن طياري المقاتلات على متن حاملة الطائرات يو إس إس جيرالد فورد يدرسون حاليًا منظومات الدفاع الجوي الفنزويلية، رغم أنهم لا يعرفون بعد ما إذا كانوا سيتلقون أوامر بالهجوم.
وفي المقابل، أعلنت وزارة الدفاع الفنزويلية عن حشد هائل لما يقارب 200 ألف فرد من القوات الجوية والبرية والبحرية للاستعداد للدفاع عن البلاد.
وأثار التخطيط الأمريكي احتمالية إشراك قوات دلتا النخبوية، وحدة العمليات الخاصة عالية التدريب، وفقًا لما ذكره مصدران مطلعان لواشنطن بوست.
هذه الوحدة العسكرية تستعد لمجموعة واسعة من مهام الاعتقال والاغتيال، وشهدت استخدامًا مكثفًا خلال عقدين من الحروب الأمريكية في الشرق الأوسط.
ورغم أن الولايات المتحدة تتمتع بتفوق عسكري هائل على فنزويلا، إلا أن أي توسع كبير في الأنشطة العسكرية قد يعرض الجنود الأمريكيين لمخاطر جسيمة.
خلاف لاتيني حول الموقف الأمريكي
أثارت المهمة العسكرية الأمريكية الواسعة في أمريكا اللاتينية استياء بعض أقرب شركاء واشنطن في المنطقة، إذ أعلنت كولومبيا، الحليف القديم في عمليات مكافحة المخدرات، هذا الأسبوع تعليق تبادل المعلومات الاستخباراتية مع الولايات المتحدة، حيث قال الرئيس الكولومبي جوستافو بيترو إن القرار جاء لأسباب تتعلق بـ"حقوق الإنسان".
من جانبها، صرحت الرئيسة المكسيكية كلاوديا شينباوم هذا الأسبوع بأن ممثلين عن حكومتها اجتمعوا مع مسؤولين أمريكيين بعد ضربة أمريكية حديثة على بعد نحو 400 ميل من أكابولكو لإعادة التأكيد على الاتفاقات البحرية القائمة و"منع استخدام القصف ضد السفن" بهذا القرب من الأراضي المكسيكية.
وكانت شينباوم قد قالت سابقًا: "نحن لا نوافق على هذه الهجمات".
وبحسب مسؤولين حكوميين مكسيكيين تحدثا لواشنطن بوست شريطة عدم الكشف عن هويتهما لمناقشة المحادثات الخاصة، فقد توصل المسؤولون الأمريكيون والمكسيكيون خلال الاجتماع الشهر الماضي إلى تفاهم بأن البحرية المكسيكية ستتولى مهمة اعتراض السفن المشتبه في تورطها بتهريب المخدرات في المياه القريبة من المكسيك.
وقال أحد المسؤولين المكسيكيين إن الولايات المتحدة وافقت على تنبيه المكسيك قبل تنفيذ ضربات في المياه الدولية القريبة من المكسيك، وهو ما نفاه مسؤول أمريكي. ورفضت السفارة الأمريكية في المكسيك التعليق.
العداء بين ترامب ومادورو
يرتبط التصعيد بشكل مباشر بالرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو، الذي أصبح هاجسًا متزايدًا لترامب، إذ تولى الزعيم الاشتراكي القوي السلطة في كاراكاس عام 2013، ويتهمه ترامب بإرسال المخدرات والمجرمين العنيفين إلى الولايات المتحدة.
وفي أغسطس، رفع المسؤولون الأمريكيون المكافأة المقدمة مقابل معلومات تؤدي إلى اعتقاله وإدانته من 25 مليون دولار إلى 50 مليون دولار، مشيرين إلى صلات مزعومة بعصابات المخدرات، واستنادًا إلى معتقدات أمريكية تعود إلى إدارة بايدن بأنه خسر انتخابات رئاسية عام 2024 ورفض التنحي.
وصرح المسؤول في الإدارة الأمريكية لواشنطن بوست: "الولايات المتحدة على اتصال وثيق جدًا بما يجري في فنزويلا، وبالأحاديث بين أفراد مادورو وأعلى مستويات نظامه. مادورو خائف للغاية، ويجب أن يكون خائفًا. الرئيس لديه خيارات على الطاولة سيئة للغاية لمادورو ونظامه غير الشرعي... نحن نرى هذا النظام على أنه غير شرعي، وهو لا يخدم نصف الكرة الغربي بشكل جيد".
واختتمت الصحيفة بالإشارة إلى أن أي ضربة على الأراضي الفنزويلية ستقلب وعود الرئيس المتكررة بتجنب صراعات جديدة، وستخون الوعود المقدمة للكونجرس في الأسابيع الأخيرة بأنه لا توجد استعدادات نشطة جارية لمثل هذا الهجوم، كما أنها ستعقد أكثر التعاون الأمريكي مع دول أمريكا اللاتينية الأخرى.
