قال الباحث محمود كامل، من مرصد الأزهر لمكافحة التطرف، إن القوة ظاهرة إنسانية أصيلة لا يمكن الاستغناء عنها، فهي ضرورية لتنظيم المجتمعات، وحفظ الأمن، وحماية الحقوق، لكنها في الوقت ذاته سلاح ذو حدين، يمكن أن تكون وسيلة لتحقيق العدل والأمان، أو تتحول إلى أداة ظلم وعدوان.
وأوضح كامل، خلال حلقة برنامج "فكر" المذاع على قناة “الناس”، أن الفلسفات القديمة والشرائع السماوية، وعلى رأسها الإسلام، أولت اهتمامًا بالغًا بأخلاقيات القوة، سواء على صعيد التنظير أو التقويم والضبط.
وأضاف: وقد برزت أهمية هذا الاهتمام أكثر في ظل الأحداث الراهنة، مثل الاعتداءات المتكررة والحروب، وعلى وجه الخصوص ما يحدث في غزة؛ ما يسلط الضوء على الحاجة إلى إعادة تأصيل مبدأ القوة وإعادة بناء نظام عالمي يضعها في خدمة الحق لا العكس.
أشار الباحث إلى أن الفكر الفلسفي منذ العصور القديمة انشغل بمفهوم القوة وعلاقته بالعدل والسياسة والسلطة والحرية.موضحا:
وواصل الباحث محمود كامل: انتقلت الفلسفة الحديثة إلى رؤية القوة بشكل مختلف، حيث اعتبر ميكافيلي أن بقاء الدولة قد يتطلب استخدام القوة بطرق براغماتية، حتى لو تعارضت مع القيم الأخلاقية.
ويشير كامل إلى أن مشاهد القوة المفرطة والانتهاكات الراهنة، مثل ما يحدث في غزة، تكشف انحراف مفهوم القوة عن معيار العدالة، وتحولها إلى أداة للقهر والسيطرة.
أكد الباحث أن الشرائع السماوية، وعلى رأسها الإسلام، قدمت إطارًا عمليًا لضبط استخدام القوة.
وقال إن الوحي جاء؛ ليؤكد أن القوة ليست غاية في ذاتها، بل وسيلة لتحقيق مقاصد عليا مثل حفظ الدين والنفس والعقل والمال والعرض.
ولفت إلى أن القرآن الكريم يقدم مدرسة متكاملة لترشيد القوة، من خلال ربطها بالعدل في قوله تعالى:"إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ"، كما أصّل مبدأ الإعداد للقوة في قوله- تعالى-: "وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ".
وأوضح أن الغاية من القوة هي الردع المشروع وصيانة المجتمع ورد العدوان، وليس الاعتداء أو الهيمنة، بما يتوافق مع المفهوم الحديث للردع كضمانة للسلام لا أداة للحرب
