تتصاعد العلاقات الاقتصادية بين مصر وليبيا في قطاع الطاقة، في وقت تتجاوز فيه الحسابات التجارية التقليدية لتدخل مرحلة جديدة من التعاون الاستراتيجي.
حيث اتفق الجانبان على تعزيز التبادل الاقتصادي وتوسيع آفاق الشراكة في مجالات البنية التحتية وربط الشبكات الكهربائية، ما يعكس مسارًا متصاعدًا في العلاقات الثنائية ويؤكد دور الكهرباء المصرية كعنصر حيوي لدعم استقرار الشبكة الليبية، بالتوازي مع سعي القاهرة لترسيخ مكانتها كمركز إقليمي لتجارة الطاقة في شمال أفريقيا.
تاريخ الربط الكهربائي
يعود التعاون الكهربائي بين البلدين إلى 28 مايو/أيار 1998، حين تم تدشين خط الربط الكهربائي بجهد 220 كيلوفولت، بهدف تبادل الطاقة وضمان استقرار الشبكتين الوطنيتين، والاستفادة من فائض الإنتاج المصري.
بدأت القدرة التصديرية بحوالي 170 ميجاوات، ثم استجابت مصر عام 2020 لطلب ليبيا بزيادة الكمية بنسبة 50% لتصل إلى 150 ميجاوات، في خطوة أسهمت في مواجهة أزمة الطاقة في ليبيا ودعم استقرار الإمدادات غربًا.
تراكم الديون منذ 2023
بحسب تقرير نشره موقع "اقتصاد الشرق – بلومبرغ"، بلغ إجمالي مستحقات مصر من ليبيا مقابل تصدير الكهرباء نحو 200 مليون دولار حتى نهاية يوليو 2025، أي ما يمثل 62.5% من إجمالي المتأخرات المستحقة على ليبيا والأردن والسودان البالغة 320 مليون دولار.
وتعود فترة تراكم هذه الديون إلى عام 2023 بسبب الظروف السياسية والاقتصادية غير المستقرة في ليبيا، إلا أن القاهرة واصلت تزويد طرابلس بالكهرباء دون انقطاع.
تفاهمات وجدولة الديون
أكدت مصادر حكومية مصرية أن ليبيا ملتزمة بجدولة المستحقات المتراكمة وسدادها وفق برامج زمنية محددة، مع استمرار تدفق الإمدادات الكهربائية لتلبية احتياجات الشبكة الليبية.
وتندرج هذه التفاهمات ضمن مسار أوسع من التعاون الاقتصادي بين البلدين، خصوصًا في ملفات الطاقة والربط الإقليمي.
اعتماد ليبيا على الكهرباء المصرية
تعتمد ليبيا بشكل أساسي على الكهرباء المصرية لتعويض ضعف الإنتاج المحلي وعدم استقرار الشبكة الوطنية، وهو ما يجعل استمرار الإمدادات المصرية أمرًا حيويًا لضمان تغطية احتياجات المدن الرئيسية والحفاظ على استقرار الشبكة.
شبكة الربط الإقليمي وخطط توسعية
تُعد ليبيا أحد أبرز المستفيدين من شبكة الربط الكهربائي الإقليمي التي تربط مصر بالأردن والسودان، بينما تعمل القاهرة على مشاريع ربط كهربائي جديدة بقدرة 3000 ميجاوات مع السعودية، بالإضافة إلى الربط البحري مع اليونان وإيطاليا لنقل الكهرباء النظيفة إلى أوروبا.
وتخطط مصر مستقبلًا لرفع القدرة التصديرية إلى ليبيا لتصل إلى 2000 ميجاوات، ضمن المرحلة الأولى من مشروع أكبر يهدف لربط دول شمال أفريقيا بالكامل، ما يعزز التكامل الإقليمي ويكرّس دور مصر كمركز رئيسي للطاقة في القارة.
فائض مصري كبير وفرص تصديرية
استثمرت مصر نحو 965 مليار جنيه خلال العقد الأخير لتطوير البنية التحتية للكهرباء، ما رفع القدرة الإنتاجية الإجمالية إلى 58 ألف ميجاوات، مقابل ذروة استهلاك صيفي تبلغ 40 ألف ميجاوات، هذا الفائض مكن مصر من تصدير الكهرباء لدول الجوار مع الحفاظ على استقرار الإمدادات المحلية.
وتتوقع مؤسسة "فيتش سوليوشنز" أن ترتفع صادرات مصر من الكهرباء من 3 تيراواط/ساعة في 2024 إلى 17.7 تيراواط/ساعة بحلول 2034، أي ما يمثل زيادة خمسة أضعاف، تكفي لتغذية أكثر من 3.5 مليون منزل سنويًا، في مؤشر واضح على استراتيجية القاهرة لترسيخ دورها كمحور رئيسي للطاقة بين أفريقيا وأوروبا.
مصر بوابة إفريقيا إلى أوروبا
رغم تراكم الديون الليبية، يواصل الطرفان تعزيز التعاون الطاقي ضمن رؤية أوسع لتحويل مصر إلى جسر طاقة يربط القارة الأفريقية بأوروبا.
وبالنسبة لليبيا، فإن الاعتماد المستمر على الكهرباء المصرية يجعل تسوية الديون المتراكمة عنصرًا أساسيًا لاستقرار الإمدادات وضمان استمرار التعاون الاقتصادي خلال السنوات المقبلة.
