

على أرض صحراوية قاحلة بقرية "8 أبو هشيما" في محافظة المنيا، تجلس أمٌ ينهش السرطان جسدها، لا تنتظر جرعة كيماوي تخفف ألمها، بل تتشبث بخيط أمل واهٍ في خروج جثمان ابنها من بئر عميق ابتلعه منذ خمسة أيام.

إنها قصة عبد الوهاب محمد عبد الوهاب، وشهرته “أحمد عبد الوهاب”، الشاب البالغ من العمر 33 عامًا، الذي خرج من قريته "بانوب" بديروط بحثًا عن لقمة عيش شريفة، ليجد نفسه ضحية لجشع الباحثين عن الآثار.
بدأت المأساة يوم الخميس الماضي، 9 أكتوبر، عندما طرق أحد الجيران باب "أحمد"، كما يناديه الجميع، عارضًا عليه فرصة عمل يومية.
لم يتردد الشاب، الذي يعمل بالأجرة في أي عمل متاح سواء في البناء أو الزراعة، وذهب برفقة 25 عاملاً آخرين إلى الموقع المحدد. هناك، تبددت فكرة العمل الشريف، ليكتشفوا أنهم جُلبوا لهدم بئر قديم يزيد عمقه على 25 مترًا، في عملية تنقيب غير مشروعة عن الآثار.

وفي لحظة غادرة، سقطت صخرة ضخمة، لتكتب الفصل الأخير في حياة "أحمد". ومنذ تلك اللحظة، انقلبت حياة أسرته رأسًا على عقب. تأكدت وفاته بعد أن تسلموا متعلقاته الشخصية؛ ملابسه التي كان يرتديها ملطخة بالدماء، في مشهد مزق قلوبهم، لكن الصدمة الأكبر كانت في عدم تسلمهم الجثمان.
ومنذ وقوع الحادث وحتى اليوم، تحولت حياة الأسرة إلى كابوس ممتد. حصلوا على تصريح رسمي بالبحث عن الجثمان، وبدأت المعدات بالفعل في العمل، لكن قرارًا مفاجئًا وصادمًا صدر بوقف البحث، لتبقى جثة ابنهم حبيسة في جوف الأرض.
المشهد على حافة البئر يجسد قمة المأساة؛ والدته المريضة بالسرطان ترفض مغادرة المكان، وتفترش الأرض تحت لهيب الشمس وبرد الليل، يرافقها ابنتاها اللتان تركتا أطفالهما وبيوتهما لمساندة أمهما في محنتها، جميعهم لا يرجون من الدنيا سوى نظرة وداع أخيرة على فقيدهم.
وفي استغاثة موجعة أطلقتها الأسرة عبر "موقع بصراحة الإخباري"، قالت بصوت يملؤه القهر والألم: "كل ما نطلبه هو حقنا في دفن ابننا. نريد فقط أن نستلم جثته لنسترها وندفنها بما يليق بحرمة الموتى. هل مطلبنا هذا كثير؟ نناشد كل مسؤول وصاحب ضمير أن ينظر إلى حالنا، وأن يصدر قرارًا باستئناف البحث وإخراج جثمان ابننا لترتاح قلوبنا ويرقد هو في سلام".