أخبار

دموع على ضفاف "مصرف الموت".. أسيوط تودع "سمر" وتبحث عن ناجين في فاجعة "تروسيكل التلاميذ"

13 أكتوبر 2025 12:57 م

أمير عرفه

لحظة البحث عن الأطفال المفقودين بحادث التروسيكل

لم تكن تعلم الطفلة "سمر" ورفاقها أن رحلتهم الصباحية المعتادة نحو فصولهم الدراسية، ستتحول إلى رحلة أخيرة نحو المجهول. في فاجعة مروعة هزت أرجاء محافظة أسيوط، لف الحزن قرية منقباد الهادئة، بعد أن ابتلع مصرف مائي مركبة "تروسيكل" كانت تقل براعم في عمر الزهور، ليُكتب فصل مأساوي أسفر عن مصرع طفلة لم تتجاوز الخمس سنوات، وإصابة 10 آخرين، بينما لا تزال عيون الأهالي معلقة بأيدي رجال الإنقاذ أملًا في العثور على أي مفقودين.

​مشهد الصدمة.. رحلة لم تكتمل

​بدأت القصة كأي صباح عادي، حيث تكدس الأطفال في الصندوق الخلفي لـ "تروسيكل"، وسيلة النقل الوحيدة المتاحة أمامهم للوصول إلى مدارسهم، والتي تحولت في لحظات إلى "مركبة موت". على طريق "الصلبية - العدر" الضيق، وبمحاذاة مصرف "قناطر حواس" الذي يشق الأراضي الزراعية، فقد السائق السيطرة. اختل توازن المركبة البدائية للحظات، كانت كافية لتهوي بحمولتها البريئة في جوف المياه الباردة.

​صرخات الأطفال التي مزقت صمت الصباح، كانت بمثابة جرس إنذار استنفر أهالي القرية الذين هرعوا بقلوب مفجوعة، وألقوا بأنفسهم في المياه في محاولة يائسة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، قبل أن تتحول المنطقة إلى خلية نحل بوصول سيارات الإسعاف وقوات الحماية المدنية والإنقاذ النهري.

​سباق مع الزمن.. وجهود لا تتوقف

​في سباق محموم ضد عقارب الساعة، تمكنت فرق الإنقاذ، بمعاونة الأهالي، من انتشال 10 تلاميذ تتراوح إصاباتهم بين الاختناق والكدمات، وتم نقلهم على وجه السرعة إلى مستشفى أسيوط الجامعي ومستشفى أسيوط العام، حيث يخضعون الآن للعناية الطبية اللازمة. لكن فرحة إنقاذهم لم تكتمل، فسرعان ما انتشل الغواصون جسدًا صغيرًا وهنًا، تبين أنه للطفلة "سمر محمد عبد القادر"، البالغة من العمر 5 سنوات، التي لفظت أنفاسها الأخيرة غرقًا، ليتم إيداع جثمانها الطاهر مشرحة مستشفى علوان تحت تصرف النيابة.

​ومنذ وقوع الحادث، لم تهدأ جهود البحث. أصدر اللواء هشام أبو النصر، محافظ أسيوط، تعليمات مشددة بتكثيف عمليات المسح والتمشيط للمصرف ومحيطه، للتأكد بشكل قاطع من عدم وجود أي ضحايا آخرين في المياه، في ظل تضارب الأنباء حول العدد الفعلي للطلاب الذين كانوا على متن المركبة المنكوبة.

​ما وراء الفاجعة.. "التروسيكل" كوسيلة نقل قاتلة

​لم تكن هذه الحادثة مجرد قضاء وقدر، بل هي جرس إنذار عنيف يقرع من جديد حول قضية طالما تم التحذير منها؛ وهي الاعتماد على وسائل نقل غير آدمية وغير آمنة مثل "التروسيكل" في نقل الركاب، وخاصة الأطفال، في القرى والنجوع. فمشهد تكدس التلاميذ في صناديق هذه المركبات هو واقع يومي مرير، يضع أرواحهم على المحك في غياب بدائل آمنة ورقابة حقيقية.

​وبينما باشرت النيابة العامة تحقيقاتها للوقوف على الأسباب الدقيقة للحادث وتحديد المسؤوليات، يبقى السؤال المؤلم معلقًا على شفاه أهالي منقباد: إلى متى ستظل أرواح أبنائنا رخيصة إلى هذا الحد، رهينة لمركبة بدائية وطريق متهالك؟ وهل ستكون دموع اليوم على "سمر" هي نهاية مسلسل المآسي، أم مجرد فاصل حزين في قصة لم تنتهِ فصولها بعد؟