رئيس التحرير
محمود سعد الدين
NationalPostAuthority
الرئيسية حالا القائمة البحث
banquemisr

تحية كاريوكا في ذكراها.. ثورة الرقص الشرقي بماركة مصرية خاصة

وجه أسمر حاد الملامح.. يجمع بين الجمال والصرامة والطيبة والجدعنة، في مزيج لم ولن يتكرر إلا في جسد المرأة التي كانت لا تخشى أحدا بالمعنى الحرفي للكلمة.

إنها تحية كاريوكا التي لم تكن مجرد راقصة فقط، بل كانت ممثلة موهوبة ومنتجة صاحبة مشروع.

لم تكن «بدوية تحية محمد علي النيداني كريم»،المولودة في 22 من فبراير عام 1915،تعرف أنها ستصبح الراقصة رقم واحد في الوطن العربي على مدار أكثر من 30 عاما. وهذا هو اسمها الحقيقي.

بدأت علاقتها بالفن وهي طفلة صغيرة عندما ذاقت مرارة اليتم وكانت جدتها لأبيها من قامت بتربيتها. بعد وفاة والدها هربت من الإسماعيلية للقاهرة خوفا من أخيها وتعذيبه لها لتعمل مع راقصة كان اسمها سعاد محاسن وتسافر سعاد إلى الشام لتنتقل تحية لفرقة بديعة مصابني عام 1935 لتبدأحياة تحية الحقيقة كما صرحت وتتعلم من بديعة كل شئ.

وتحكي تحية نفسها على لسانها كيف علمتها بديعة أن تركز في الرقص فقط لأنها غضبت مرة وهي ترقص من تعليق لأحد الجماهير، فقالت لها بديعة: “سهل استفزازك وإخراجك من تركيزك لا تسمعي لأحد وأنتي ترقصين تركيزك في رقصتك فقط”.

بعد خمسة سنوات أطلقت الرقصة التي جعلتها الراقصة رقم واحد في مصر وأصبحت ملاصقة لاسمها طوال العمر، وهي رقصة “الكاريوكا” تشبيها بسمكة تحمل الاسم نفسه وتمتلك الرشاقة نفسها.

تؤمن تحية أن الرقص موجود منذ العصر الحجري، الحركات التعبيرية للإنسان كانت بالرقص، الحصاد كان له رقصة، والجنائز لها رقصة، الفرحة لها رقصة، المطر له رقصة،وأن الرقص هو الحياة نفسها.

الرقص ليسمجرد هز وإثارة، الرقص الشرقي جميل ومعبّر مثل الباليه.

تحداها نجيب الريحاني أنه سيصنع منها ممثلة لأنها ممثلة جيدة جدا وكانت تجربتها في “لعبةالست” بالنسبة لها هي المدرسة الكبيرة التي تعلمت منها أول مشاهدها مع الريحاني كان مشهد أكل الزبادي بلبيسة الأحذية، ويومها بكت تحية ليطالب الريحاني بتأجيل التصوير يوما كي يتعارفا أكثر، وبالفعل تعارفا وقدما واحدا من كلاسيكيات السينما المصرية. وأعطاها أهم نصائحه: ”الفنان لو أناني مش لازم يشتغل فنان”. وقال لها أيضا: “أنا هخلي الناس تنسى إنك كنتي بترقصي وفعلا ده حصل، قالي أنتِ ممثلة مش راقصة”.و كان رد تحية عليه هو قولها “إنّ الرقص الحقيقي تمثيل لأنك بتقنع اللي قدامك من غير كلام باللي أنت عاوز تقوله”.

وقدمت تحية على مدى عمرها ما يقرب من 195 عملا كان آخرها فيلم “الجراج” عام 1995.

وتقول تحية عن أفلامها “بحب أدواري، مثلا فيلم (أم العروسة) لما اتعرض على عماد حمدي كان رافض يعمل دور الأب، كان نفسه يكمل في أدوار الشباب قعدت أسبوعين أقنعه، بعد ما عمل الدور وعجبه بقى كل ما يشوفني يقول لي ربنا يخليكي، كل وقت وله أذان والفنان مش بيقدم، بس يعرف طريقه، ميعملش اللي كان بيعمله من عشرين سنة ويعرف أن فيه عمر بيتقدم، ويشق طريقه في أدوار الجد والأب”.

لم تكن تحية إنسانة عادية أو تنقصها الشجاعة والجدعنة، فتحكي عن موقف أثناء تصوير أحد الأفلام: “في فيلم أميرة الجزيرة أصيب الأستاذ بشارة واكيم بجلطة، والمخرج أصر يشتغل وحاولنا نقنعه ياخد إجازة موافقش،حبيت أوقف الفيلم قمت الصبح جهزت شنطتي ووالدتي سألتنى رايحهفين قولت لها الاستوديو، وطلعت على المطار، لو روحت بيروت هيلاقوني بسرعة، سألت في المطار إيه البلد اللي أقدر أروحها دلوقتي من غير تأشيرة قالوا إيطاليا، وسافرت ومتصلتش بحد غير الأستاذ بشارة ومعرفتهوش مكاني، لحد ما قابلت المنتج علي الجبري وأكد لي إن الأستاذ بقى أحسن ورجعت وكلمت المخرج وقولت له أنا جاهزة أكمل الفيلم”.

علاقتها بالنقود غريبة جدا تصفها قائلة: “أنا بحب الفلوس عشان أصرفها مش عشان أدخرها، هدخرها ليه؟، كنت بحوش مع سليمان باشا نجيب، قالي كل عقد تمضيه هات الفلوس أحوشها لك، في الآخر زهق مني قالى أنا لو حطيتك في أوضة مقفولة، ومفيهاش شبابيك وأديتك ألف جنيه هلاقيكي من الغيظ واكلاهم عشان مقدرتيش تصرفيهم”.

رشحت شيريهان لتمثيل دورها وتحب صوت فيروز وتعشق تمثيل محسنة توفيق.

كانت آخر نصائحها للمصريين: “أرجوكم حبوا مصر، نفسي الناس تحافظ على النظافة في مصر، ونفسي مصر ترجع زي الأول تتغسل بالميّة والصابون وتبقى بتبرق زي زمان”.

كانت الفنانة الراحلة تحية كاريوكا معروفة بمواقفها الوطنية، وكان لها نشاط سياسى وثورى منذ عام 1948م، نظرًا لمساعدتها الفدائيين، لدرجة أنها كانت تنقل السلاح لهم فى سيارتها الخاصة، دون خوف، وكان بداخلها إيمان قوى بدورها تجاه بلدها، كما أنها شاركت فى المقاومة خلال العدوان السياسى عام 1956م، وتم إلقاء القبض عليها أكثر من مرة.

إقرأ أيضا :ماجدة الرومي بقصر القبة 2 أبريل

إقرأ أيضا :طه دسوقي: حلقت شعري من أجل في بيتنا روبوت وعمرو وهبة من رشحنى للدور

رفضت الرقص أمام الرئيس التركي مصطفى كمال أتاتورك لأنه أهان السفير المصري وقتها فمنعها من دخول تركيا.

اعتقلها عبد الناصر في بداية حكمه مع اعتقالات الشيوعيين، ولكن بعد النكسة ونتيجة لمجهودها في جمع التبرعات للمجهود الحربي قال لها “أنتي ست بميت راجل”.

كما كان للفنانة الراحلة دور كبير مع الرئيس الراحل محمد أنور السادات، حيث قدمت له المساعدة من أجل الهروب من الاحتلال الإنجليزى، قبيل الحرب العالمية الثانية، عندما أخذته إلى الإسماعيلية حتى يختبئ عند إخوتها، وهناك امتهن العديد من المهن وهو متنكر.

وبالتالى عندما منحها الرئيس الراحل جائزة فى عيد الفن، أحب أن يذكرها بموقفها، فصافحها وأشاد بوطنيتها وتاريخها النضالى المشرف، وقال لها: "فاكرة يا تحية لما خبتينى عند إخواتك فى الإسماعيلية لما كنت هربان من السجن؟”، فردت: “أنت لسه فاكر يا ريس؟.. ليرد: “طبعًا دي أيام هايكتبها التاريخ عمرى ما هانساها، مش عايزة حاجة؟ فيه حد مزعلك؟ لكِ أي طلب؟ اطلبي أي حاجة؟”.

ولكن لكثرة عطائها لم تطلب أى شىء لنفسها ولكنها فكرت فى غيرها من الفنانين، وقدمت الشكر للرئيس السادات، وقالت له: “هو بس فيه حاجة كنت عايزة أطلبها من سيادتك مش ليا لكن لزينات صدقي، هي كبرت وما بقتش تشتغل ومريضة وبتمر بظروف قاسية أوي، يا ريت يا ريس تأمر لها بمعاش تقدر تعيش منه”.. ونفذ الرئيس ما قالته فورًا وصرف لها معاشا استثنائيا.

توفيت تحية في 19 سبتمبر عام 1999 عن عمر يناهز الـ84 عاماً إثر تعرضها لجلطةرئوية حادة بعد عودتها من رحله العمرة.

تم نسخ الرابط